الخميس، 28 أكتوبر 2010

الشعوب المُضلـَّلة


الشعوب المُضلـَّلة 
مقالة بقلم د. محمد الجاغوب

             مع تقدُم وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، وسيطرة حكومات العالم الثالث عليها، كثيراً ما تتعرض شعوب ذلك العالم لعمليات تضليل وغسيل للأدمغة، فهذه الشعوب غالباً ما تعاني الفقرَ والمرض والجهل والحرمانَ من أبسط حقوقها، وتـُوأدُ فيها الكلمة ويُحجر فيها على التفكير، وتـُقمع فيها المرأة وتـُضطهد. ومع كلّ هذا لا تتطلع تلك الشعوب إلى ما هو أفضل، بل تـتقبـّلُ ما هي عليه برحابة صدر، بسبب أمرين: أولهما اعتقادها أنّ ما هي فيه مِن بلاء ما هو إلا طاعة مفروضة، وقدَرٌ محتوم لا يجوز غير التسليم به، وثانيهما اعتقادها أنه ليس مِن حقها أكثر مما أتيح لها من حقوق وبعض الامتيازات مثل حريتها في اختيارالطعام الذي تفضل واللباس الذي تريد.

             هؤلاء الناس يقنعون بما لديهم، ولا يلتفتون إلى نمط حياة الأمم الأخرى، وما تنعم به تلك الأمم من رخاء مادي ومناخ ديمقراطي تـُعبر فيه عن نفسها، لأن الإعلام المُوجَه من قبل الحكومات في العالم الثالث يُصور لشعوبه أنّ ما ينعم به الناس في العالم الأول ما هو إلا انحراف وفجور وتفكك أسري، وأنه سوف يجرّ عليهم الويلات مثل غضب الخالق أو غضب الطبيعة. ويبقى الناس البسطاء في العالم الثالث يتربصون بالشعوب الحُرة أن تنزل بها قارعة ليشمتوا بهم بسبب انحرافهم وكفرهم أولاً، وبسبب إيمانهم بالتغيير الديمقراطي لأنظمة الحكم عندهم ثانياً.

             في العالم الثالث تستعذبُ الشعوبُ المقهورة قهْرَها، وتستمرئُ حِرمانها سنين طويلة بل عقوداً. وعندما يطغى تيار التوجه الديمقراطي ويعمُّ معظمَ دول العالم ويحس المستبدون بأن التيار سوف يجرفهم، وأنّ البساط لا يلبث أن يُسحب من تحت أقدامهم، يلجؤون إلى تزييف الحقائق والضحك على الذقون، فيسمحون لقطرات من ماء الحرية بترطيب حلوق شعوبهم تمشياً مع الجو العالمي، ثم يصورون لشعوبهم أنّ النعمة الجديدة ما هي إلا مِنـّة جاد بها الزمان، وأنّ ما على الناس إلا الشكر والمزيد من الشكر، وغضّ البصر عما يجري في العالم من حولهم.

             ويأتي دور الإعلام المُوجَه ليلعبَ لعبته القذرة ... مُذيعون مُتزلـِّفون، شـُعراءُ مَدّاحون مُتـَكسِّبون، كـُتّابُ أعمدة منافقون، ويا لـَلهَول ...!!، ويُسهمُ خطباءُ المنابر أيضاً في طمس الحقيقة وفي تضليل الناس، فيقولون لهم: " إنّ أردتم التغييرَ حقاً فما عليكم إلا بالدعاء والدعاء وحْدَه لصلاح الأحوال "، ويطالبون الناس بتنظيم مسيرات الشكر والتأييد والدعاء تقديراً لتلك المِنـّة مِن قطرات ماء الحرية المزيفة، وتصطخبُ الشوارع بالهتافات وتـُبَحُ الحناجرُ، لا بسقوط الاستعمار وأعوانه، بل بالدعاء وإطالة الأمد وبالخلود إلى الأبد.

             وإذا ما جاءَ هادمُ اللذات ومُفرّقُ الجماعات وقالَ قولتـَه الفـَصل، وأحدثَ التغييرَ القسري تـُستنـفـَرُ الشعوبُ النائمة ثانيةً لتقوم بواجبها المعهود، فتستأنفُ الدعاء، ولكنه دعاءٌ مزدوَجٌ هذه المرة.

             لله درّ هذه الشعوب كم هي مُضلـَّلة! فمتى ستعرفُ الحقيقة؟ ومتى ستكتشفُ أنّ ما تعيش فيه ما هو إلا ظِلال زائفة، وأنه لا بُد من الخروج مِن عتمة الكهف لكي ترى النور الحقيقي. وقد صدقَ أميرُ الشعراء عندما قال في إحدى مسرحياته:

هَداكَ اللهُ مِن شـَعْبٍ جَهولٍ            يُضلـِّلهُ المُضلـِّلُ كيفَ شاءَ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق