الخميس، 28 أكتوبر 2010

الشعوب المُضلـَّلة


الشعوب المُضلـَّلة 
مقالة بقلم د. محمد الجاغوب

             مع تقدُم وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، وسيطرة حكومات العالم الثالث عليها، كثيراً ما تتعرض شعوب ذلك العالم لعمليات تضليل وغسيل للأدمغة، فهذه الشعوب غالباً ما تعاني الفقرَ والمرض والجهل والحرمانَ من أبسط حقوقها، وتـُوأدُ فيها الكلمة ويُحجر فيها على التفكير، وتـُقمع فيها المرأة وتـُضطهد. ومع كلّ هذا لا تتطلع تلك الشعوب إلى ما هو أفضل، بل تـتقبـّلُ ما هي عليه برحابة صدر، بسبب أمرين: أولهما اعتقادها أنّ ما هي فيه مِن بلاء ما هو إلا طاعة مفروضة، وقدَرٌ محتوم لا يجوز غير التسليم به، وثانيهما اعتقادها أنه ليس مِن حقها أكثر مما أتيح لها من حقوق وبعض الامتيازات مثل حريتها في اختيارالطعام الذي تفضل واللباس الذي تريد.

             هؤلاء الناس يقنعون بما لديهم، ولا يلتفتون إلى نمط حياة الأمم الأخرى، وما تنعم به تلك الأمم من رخاء مادي ومناخ ديمقراطي تـُعبر فيه عن نفسها، لأن الإعلام المُوجَه من قبل الحكومات في العالم الثالث يُصور لشعوبه أنّ ما ينعم به الناس في العالم الأول ما هو إلا انحراف وفجور وتفكك أسري، وأنه سوف يجرّ عليهم الويلات مثل غضب الخالق أو غضب الطبيعة. ويبقى الناس البسطاء في العالم الثالث يتربصون بالشعوب الحُرة أن تنزل بها قارعة ليشمتوا بهم بسبب انحرافهم وكفرهم أولاً، وبسبب إيمانهم بالتغيير الديمقراطي لأنظمة الحكم عندهم ثانياً.

             في العالم الثالث تستعذبُ الشعوبُ المقهورة قهْرَها، وتستمرئُ حِرمانها سنين طويلة بل عقوداً. وعندما يطغى تيار التوجه الديمقراطي ويعمُّ معظمَ دول العالم ويحس المستبدون بأن التيار سوف يجرفهم، وأنّ البساط لا يلبث أن يُسحب من تحت أقدامهم، يلجؤون إلى تزييف الحقائق والضحك على الذقون، فيسمحون لقطرات من ماء الحرية بترطيب حلوق شعوبهم تمشياً مع الجو العالمي، ثم يصورون لشعوبهم أنّ النعمة الجديدة ما هي إلا مِنـّة جاد بها الزمان، وأنّ ما على الناس إلا الشكر والمزيد من الشكر، وغضّ البصر عما يجري في العالم من حولهم.

             ويأتي دور الإعلام المُوجَه ليلعبَ لعبته القذرة ... مُذيعون مُتزلـِّفون، شـُعراءُ مَدّاحون مُتـَكسِّبون، كـُتّابُ أعمدة منافقون، ويا لـَلهَول ...!!، ويُسهمُ خطباءُ المنابر أيضاً في طمس الحقيقة وفي تضليل الناس، فيقولون لهم: " إنّ أردتم التغييرَ حقاً فما عليكم إلا بالدعاء والدعاء وحْدَه لصلاح الأحوال "، ويطالبون الناس بتنظيم مسيرات الشكر والتأييد والدعاء تقديراً لتلك المِنـّة مِن قطرات ماء الحرية المزيفة، وتصطخبُ الشوارع بالهتافات وتـُبَحُ الحناجرُ، لا بسقوط الاستعمار وأعوانه، بل بالدعاء وإطالة الأمد وبالخلود إلى الأبد.

             وإذا ما جاءَ هادمُ اللذات ومُفرّقُ الجماعات وقالَ قولتـَه الفـَصل، وأحدثَ التغييرَ القسري تـُستنـفـَرُ الشعوبُ النائمة ثانيةً لتقوم بواجبها المعهود، فتستأنفُ الدعاء، ولكنه دعاءٌ مزدوَجٌ هذه المرة.

             لله درّ هذه الشعوب كم هي مُضلـَّلة! فمتى ستعرفُ الحقيقة؟ ومتى ستكتشفُ أنّ ما تعيش فيه ما هو إلا ظِلال زائفة، وأنه لا بُد من الخروج مِن عتمة الكهف لكي ترى النور الحقيقي. وقد صدقَ أميرُ الشعراء عندما قال في إحدى مسرحياته:

هَداكَ اللهُ مِن شـَعْبٍ جَهولٍ            يُضلـِّلهُ المُضلـِّلُ كيفَ شاءَ

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

المكتبات المدرسية وتنمية المهارات اللغوية

في بحث تربوي حول المكتبات وتنمية المهارات، استخدام الطالب لاستراتيجية التساؤل الذاتي يساعده على التحصيل الجيد

أكد الدكتور محمد عبدالرحمن الجاغوب موجه اللغة العربية بمنطقة الشارقة التعليمية في ورقة عمل بحثية قدمها أمام الندوة التربوية الأولى حول المكتبات المدرسية وآفاق تطوير التعليم وتحديثه التي عقدتها تعليمية الشارقة ان الطريق السليم لخلق مجتمع قاريء يبدأ من المراحل الدراسية المختلفة أي أنه يبدأ بالطلبة لأن عقولهم أكثر قدرة على الاستجابة للمثيرات من غيرهم.
واضاف انه من الممكن ان تنشأ بينهم وبين الكتب صلة دائمة ومحببة اذا لم تقتصر مهمة المدرسة على تعليم الطلبة مباديء القراءة والكتابة فقط وتقديم المعلومات لقمة سائغة لهم بل تعدت هذه المهمة بتلك العقول إلى انشاء رغبة أكيدة لديهم لحب الكتاب والتعامل مع المكتبة التي اصبحت مركز تعلم يحتوي على العديد من مصادر المعرفة المكتوبة والمسموعة والمرئية التي تجعل الطالب منتجا ومتفاعلا عن طريق استخدام هذه المصادر والتفاعل معها.
وأوضح الدكتور الجاغوب في ورقته البحثية أن المدرسة الابتدائية إذا اخفقت في تعليم الطفل اللغة التي تعتبر أداة المواد للفهم والأفهام والتحصيل داخل الفصل وخارجه فهي بذلك تكون قد أخفقت تماما في رسالتها، حيث إن تدريس اللغة باتجاهاتها الحديثة يقوم على الاساس الوظيفي للغة في اطار مهاراتها الأربع وهي القراءة والاستماع والكتابة والتحدث، موضحا ان القراءة والاستماع هي مهارات الاستقبال والكتابة والتحدث هي مهارات التعبير ويربط بينهما عنصر مشترك وهو التفكير الذي يعتبره البعض مهارة لغوية خامسة.
المهارات.. ارتباط دائم
كما اوضح موجه اللغة العربية في ورقته البحثية أن الدراسات الكثيرة في المجالات التربوية اثبتت ان القدرة على الاستماع الجيد بفاعلية ترتبط بالنجاح في القراءة انطلاقا من ان تعريض المتعلم لخبرات واسعة في الاستماع ينمي قدراته على صياغة المقررات والتراكيب والمهارات اللغوية وأن من مهارات القراءة والاستماع ما يرتبط بالنحو والصرف مثل مهارة تمييز السياقات الصوتية المتنوعة وفهم ما توحي به مثل الاستفهام والتعجب ومهارة ضبط بنية الكلمة ضبطا سليما من خلال السماع الصحيح لها واخراج الحروف من مخارجها الصحيحة وتغيير اصوات بعض تلك الحروف لمجاورتها أصواتا محددة، وأن من مهارات القراءة ما يرتبط بالتعبير مثل تحديد الفكرة الرئيسية والافكار المنضوية تحت لوائها ومهارات توليد المعاني والافكار واقتراح المواقف والآراء ومهارات تلخيص الكلام.
واضاف د. محمد الجاغوب في بحثه التربوي الذي قدمه بعنوان المكتبة المدرسية وتنمية المهارات التلخيصية ان قدرة الطالب على التلخيص تعد مهارة قرائية وكتابية في آن واحد وأنه مهارة وظيفية يحتاج اليها المرء في مواقف الحياة المختلفة لاسيما ونحن نعيش في عصر السرعة وتقدم وسائل الاتصال والانفجار المعرفي الهائل والمتسارع، مشيراً الى ان الانسان في اطار عمره القصير لا يمكنه الاحاطة بهذا الكم الهائل من المعارف وأنه اذا كان حريصاً على تنمية نفسه أن يحرص على الاحاطة ولو بموجز عن كل شيء بدور حوله ومن هنا يجب على المعلم تدريب الطالب الذي يرتاد المكتبات على كتابة التقارير الموجزة عن المعلومات التي حصلها بطريقة مختصرة وغير مخلة بالمعنى لأن الايجاز من غير خلل ضرب من البلاغة.
خطوات التلخيص
وحدّد الدكتور الجاغوب في بحثه عدة خطوات متتابعة يجب على المعلمين تدريب الطلاب عليها للقيام بعملية التلخيص غير المخل وهي تبدأ بقراءة النص قراءة جيدة للفهم والوعي والتمييز بين الاصيل وغيره في ذلك النص، ثم انتقاء ما هو ضروري وله صلة بالفكرة الرئيسية وطرح التكرار والترادف والافكار الثانوية، ثم بناد قطعة مترابطة الافكار ومتلاحمة البناء مما تبقى من النص، وكذا تدريبهم على وضع عنوان للنص يرشد القاريء الى الهدف ويحافظ على وحدة الملخص وتماسكه ويساعد على اختيار القيمة النسبية لعناصر النص كما حدد البحث ثلاثة انواع من التلخيص بدأت بتلخيص الجمل الذي يعني انتزاع الافكار والمعلومات التي تشملها الجملة وتقديمها في عبارة موجزة، وتلخيص الفقرة الذي يعني السلوك اللغوي الذي يتمثل في تحديد جملة الموضوع في الفقرة، ثم تلخيص النص الذي يعني القدرة على الاحاطة باهم الافكار والعناصر الاساسية في المادة المكتوبة وادراك ما بينها من علاقات وتقديمها في أبسط صورة من صور التعبير الذاتي الممكنة.
وطالب الدكتور الجاغوب المعلمين بطرح عدد من الاسئلة التي تساعد الطلبة على الوصول للاهداف والمعاني والتحصيل الجيد اي الفهم الكامل من مثل هل تعالج الفقرة موضوعا قائما بذاته أم جزءاً من موضوع؟ وأين تقع جملة الفكرة الرئيسية من الفقرة؟ وما الجملة التي تحمل هذه الفكرة؟ والقرائن الدالة على ذلك؟ مشيرا الى وجود علاقة ارتباطية ايجابية ذات دلالة خاصة بين ما يتوصل اليه الطلاب من ملخصات نتيجة الاجابة عن هذه التساؤلات وجودة هذه الافكار التي يحتويها الملخص عن طريق استخدام آليات اعادة القراءة ومستوى المناقشات التي يديرها المعلم حول مادة وموضوع التلخيص، مؤكداً ضرورة لجوء الطالب مع معلمه الى قراءة مادته عدة مرات ومناقشة مفرداتها وعناصرها بصورة مباشرة عندما يصطحب المعلم طلابه الى قاعة المكتبة ويقسم الى مجموعات ويوزع عليهم المقالات ويطلب قراءتها وتلخيصها بمساعدة استراتيجية التساؤل الذاتي ذهنيا من خلال الاجابة على هذه التساؤلات حول مجال المعرفة التي ينتمي اليها المقال والمشكلة الرئيسية او الفرعية التي يعالجها والتسلل والتنظيم في طرح الفكرة والصيغة التلخيصية المناسبة لمثل هذه المقالات.
ركيزة تعليمية
كما أكد الدكتورمحمد الجاغوب في ورقة عمله البحثية أن اسلوب تلخيص المقالة العلمية يمتاز بالوضوح والدقة في اختيار الالفاظ وتجنب ذات الاحتمالات المتعددة منها، موضحا أن ذلك يؤدي الى التحصيل الدراسي الجيد وتحقيق النتائج العلمية الأفضل لدى الطلاب خاصة وأن المكتبات المدرسية اليوم وبفضل تنوع امكاناتها وتحديث وسائلها تعتبر ركيزة للعملية التعليمية، وأنها بفضل محتوياتها المتنوعة تبث الفاعلية والنشاط وتثرى المنهج المدرسي وتساهم في تحسين اساليب التدريس وتفتح للطالب والمعلم نوافذ واسعة يهب منها عبير ينابيع العلم والمعرفة والفكر الانساني في مختلف العصور وأنه اذا ما احسن توظيفها وأقبل المعلمون وطلبتهم على ارتيادها فإنها تعين على تحقيق مبدأ التعلم الذاتي ولذلك يجدر بالمعلمين وأمناء المكتبات والادارات المدرسية عموما أن تسهل للطالب فرصة التواصل مع المكتبة وتنمية ميوله نحوها وتدريبه على مهارات استخدامها من خلال المطالعة الحرة أو عن طريق الاستعارة او تنفيذ بعض الحصص داخل قاعة المكتبة.
وأوصى الدكتور الجاغوب بضرورة ادراج مهارة التلخيص ضمن برنامج المسابقات التربوية السنوية تحت عنوان تلخيص كتاب وحث الطلبة على المشاركة فيها وتدريب الطلبة منذ المراحل التعليمية الأولى على المهارات المكتبية الاساسية، مطالبا معلم اللغة العربية بصفة خاصة زيادة الاهتمام بمهارة التلخيص بحيث يقرأ مالخصه الطلبة ويقومه ويضع الملاحظات عليه لتنمية هذه المهارة.
كما أوصى موجه اللغة العربية بتعليمية الشارقة بتكليف أمين مكتبة متخصص للقيام بالاعمال المكتبية، وتخصيص بعض الزيارات للقراءة الحرة ومتابعة الطلبة اثناء هذه القراءة ومطالبتهم بعمل ملخصات، واختيار أفضلها لطباعتها وتجليدها ووضعها في ركن خاص بالمكتبة لتكون مصدرا للمعارف ومكتبة مصغرة تقدم معلومات مختصة لكل فن من فنون المعرفة، اضافة الى نوعية المجتمع المدرسي كله بمحتويات المكتبة المدرسية وتدريب الطلاب والطالبات على الاستفادة من مصادرها المكتوبة والسمعية والبصرية عن طريق تفعيل هذه المصادر في العملية التعليمية.

الشارقة ـ فتحي عبدالكريم ،،، صحيفة البيان الإماراتية

الاثنين، 25 أكتوبر 2010

قراءة تحليلية في ديوان (الصدى الضائع) للشاعر أحمد راشد المبارك


قراءة تحليلية في ديوان : (الصدى الضائع)  للشاعر : أحمد راشد المبارك

بقلم  د. محمد الجاغوب
 
           منذ اللحظة التي بدأتُ أُجيلُ فيها النظر في ديوان الشاعر أحمد راشد المبارك تبيّنتُ أنني أمام موهبة عظيمة، يتمتع صاحبُها بشاعرية فذة وشفافية عالية من الحسّ المرهَف والموهبة الفطرية، وأنه تحرِّكه في كل قصائده عاطفة إنسانية صادقة ومتوقدة، لا يخالطها تكلفٌ ولا رياء، وأنه يمتلك كفاية وحِساً لغوياً، مكّناهُ من صَوغ قصائده بعبارة رصينة وألفاظ منتقاة، في إطار الشعر العمودي والأوزان العروضية المعروفة، وإنْ كان يميل إلى شيء من التجديد من خلال التنويع في القافية أحياناً. وما قصائد هذا الديوان إلاّ دليل صادق على كل تلك الملَكات.

           إنّ المتأملَ لهذا الديوان يستشفّ المحاور الرئيسة التي تناولها الشاعر في قصائده، وهي: الوجداني والإنساني والاجتماعي والوطني، وفوق ذلك محور الطبيعة الذي يتداخل مع المحاور السابقة ولا يمكن فصله عنها، فالمذهب الرومانسي يتجلى بوضوح في العديد من قصائد الديوان، فالشاعر يحب الطبيعة النقية بكل عناصرها، يناجيها ويتغنى بها، ويُسبغ عليها من الصفات الإنسانية، فهي تشاركه أحاسيسَه وشجونه، فالروض يُقلعُ عن التزيّن بالخضرة والشذى والماء والطير.

          وجئتُ إلى الروض النضير فراعَني          من الروض ذيّاك الأسى والتجهمُ
          فلا الزهرُ فوّاح ولا الروضُ ناضــرٌ         ولا الماءُ سَلسالٌ ولا الطير مُغرَمُ 
          ولا أنــا ذيّـــاك الــــــذي تعــرفينــه          كأنـــيَ تمثــــالٌ مُضــــاع مُهــدّمُ  
                                                                                                    " قصيدة اعترافات "
    وفي بعض القصائد يجد الشاعر المبارك في الخروج إلى الطبيعة حلاً لبعض المشكلات الاجتماعية.
          في الروض من بغي الورى ملجأ              وفيــه للحــُب مقــــــام رحيـــــب
                                                                  " قصيدة من وحي الحرمان "                                                                                  
           وفي قصيدة " ليلة الميعاد " تصوير دقيق للطبيعة، حيث تقف عاشقة تنتظرُ حبيبَها، ولكنه لا يأتي، يبيّن فيها الشاعر خلجات النفس البشرية وقلقها، من خلال تخمين تلك العاشقة للأسباب التي حالت دون قدوم حبيبها.

           وشاعرنا كثيراً ما يرى جمال المحبوب في جمال الطبيعة، بل إنّ جمال الطبيعة بعضٌ مما فاضتْ به عينا المحبوبة.
          الشِعرُ ما يحوي حديـثـُك رائعـــاً                 والسحــرُ مــا قـذفتْ بـه عيناكِ       
          وأرى خيالاً في الطبيعـة فاتنــاً                  فأحسّ في قلبـي دبيبَ خطـــاكِ  
          وأرى صفاءَ النهر بين ضفافـه                  فأحسّ في قلبــي جمــال صِفاكِ
                                                                                                      " قصيدة همسات "
           هكذا هي الطبيعة بعناصرها المختلفة موجودة في شعر شاعرنا، وتتمازج أطيافها مع طيف المرأة؛ فهو مُغرم بهما معاً، ويقارن بين جماليهما، ويبث شكواه لهما، وكثيراً ما تتدفق عواطفه قوية في المجال الوجداني عندما يصوّر خلجات المحب، ويتغنى بجمال المحبوب في نسيب رقيق، يظهر في قصائد: انتظار، من وحي الحرمان، اعترافات، حلم، نجوى، اذكريني، في الهيكل وهمسات.
      
           ومع ذلك، فشاعرنا أحمد المبارك إنسان قبل كل شيء، فهو يبدع في تصوير النفس البشرية بكل أبعادها ونوازعها وهواجسها وتجلياتها، فهو يتنقل بين التفاؤل والتشاؤم، فعندما يكون متفائلاً يرى الروضَ نضيراً والطيرَ مُغرداً، والغصنَ غضاً والماءَ رقراقاً، وعندما يكون حزيناً تلفـُه نزعة تشاؤمية، تجعله يضيق ذرعاً بهجر المحبوب، فيُحمِّله مسؤولية ما يعانيه من تباريح الهوى، وهذا ما يبدو في قصائد: أصداء النفس، كيف أسلو، إلى قلبي، صوفية الحب، أين تريد، أين أنّاته، حيث يستبد به القلق، وتنتابه نزعات متناقضة كثيراً ما تكتنف النفس البشرية، فهو يرى القيثارة صامتة، والأوتار والأنغام نائمة، وبِشَغف الإنسان بالبحث عن الحقيقة، يتساءل عن قضية طالما شغلتْ بالَ الإنسان، وهي ما وراء الغيب، يقول في قصيدة " في المعترك ":
          يا من يزيحُ ستارَ الغيب عن بصري            لعلّ قلبي يرى تمثاله السامي
           لكنّ هذه الحقيقة - كما يقول - دونها سيل العرم. وهو في غمرة البحث عن الحبيب الغائب لم يَعُدْ يرى شيئاً جميلاً. وفي قصيدة " ضراعة " نجده يقول:          
          ماتت الأحلامُ في قلبي            وغابت خلفَ ظني
           وترافقه هذه النزعة التشاؤمية حين يوجّه خطابه إلى " ميّ " ويطلب إليها ألا تنخدع بالصِّبا والشباب، فوراءه شيبٌ وهرمٌ وذبولٌ وصمتٌ وظلام . " قصيدة هذا الختام ".
 وفي قصيدة " ألحان اليأس " تهاوت أمانيه، ولم يتحقق له في حياته أربٌ ولا وطر. وفي قصيدة
 " أصداء نفس " يتحدث عن إحباط مشاريعه واغتيال طموحاته، ويصوّر المحبوبة على أنها كل شيء في حياته، وهي رمز مُقدسٌ لديه، إلا أنها برهنتْ له على أنها مُجرد أنثى عادية.
          الآن أعرفُ في الغرام نهـــايتي        وعرفتُ في سوق الهوى إفلاسـي
          وتحققتْ فيك الظنونُ وطالمــــا        كــذّبتُ ظنـــي واتهــمتُ قيـاســي
          ورجعتِ أنثى في الحقيقة بعدما        قــد كـنــتِ عنـدي غايــة الأقـداس ِ

           وفي المحور الاجتماعي يعْرف الشاعر المبارك تركيبة مُجتمعه، وطبيعة الناس وهواجسَهم، ويصور في بعض قصائده الأمراض الاجتماعية المتفشية بينهم، مثل: بغي الورى، وانطباع الذل في بعض النفوس، ويرى أنّ الطهارة من كل هذه الأدران تكمن في الخروج إلى الروض. وفي المحور ذاته يُحسن التعامل مع أبناء مُجتمعه، فهو يشاركهم حياتهم، ويداعبهم في بعض قصائده، مثل: قصيــدة:      " الشنب " التي يصور فيها بعض العادات بروح الفكاهة والدعابة. وهو يحب أبناءَ مجتمعه، ويعز عليه فقدان أحدهم، وتجلى ذلك واضحاً في مراثيه للعديد منهم، وهو يقف وقفة وفاء لأناس اختطفتهم يد المنون، فنراه مذهولاً هو والآخرين، لا يملك غير الدموع وطلب الرحمة لهم، وهو في مراثيه يتدفق كالنهر، وكأنّ الموتَ يحركُ كوامنَ نفسه؛ فتنهلّ دموعُه سخية سخينة، يظهر ذلك في رثائه لكل من الشيخ إبراهيم ، والشيخ العلامة عبد العزيز المبارك.  

           وللوطن في قلب الشاعر أحمد المبارك مساحة واسعة، فهو يحبُ وطنـَه العربي الكبير، ويصورُ المخاطرَ التي تتهددُه، ففي قصيدة " شُلتْ يدُ البغي " تتجلى الروح القومية والعربية الأصيلة عند حديثه عن مصر والشام ودار السلام، ثم يذكر بعض الطامعين في هذا الوطن، مثل: ديان و شارون والفرس وبغاث الطير والرّخم، وهو يهرع إلى التاريخ يناجي القادسية، ويهيبُ بسعد بن أبي وقاص أن يعيدَ لنا قادسية جديدة، ثم يُحذرُ أبناءَ قومه من مغبة طلب العون من الباغي، فالباغي لا يفي بعهده، ولا يهمُه إلا تأمين مصالحه، يقول: إنّ هذا الباغي يعيث في أوطاننا سُكـْراً وعربدة، وفوق ذلك ندفع له الثمن من أموالنا.
          وللأعــادي على الأوطــان عَربدة ٌ        والخمْرُ من كرْمِنا والكأسُ والخـَدمُ      
            ولو أنّ الشاعرَ أرّخَ لقصيدته هذه لأضافَ كثيراً من الإضاءات عليها، وعلى الجو الذي قيلت فيه، كما لا ينسى الشاعر همومَ أمته في فلسطين وحريقَ المسجد الأقصى، ومعركة القسطل وبطلـَها الشهيد عبد القادر الحسيني، ويقفُ في مكة أمام الكعبة المشرفة وقفة حُب وخشوع وتأمل، تدلل على عمق إيمانه.
    
           ثم يُجري مقارنة جميلة وحقيقية بين قطعتين عزيزتين من وطنه الكبير، وهما: دمشق الفيحاء والأحساء، وهذا دليلُ عُمق انتمائه لأمته ووطنه العربي من المحيط إلى الخليج، يقول:
أدمشقُ يا أغلى قصيــدي          يا نغمة النهَوَنـْـدِ في أوتار عُودي
                      إنـــّــــي أتيـتـُك والشبـابُ           يجــــفّ فــــي أليــــاف عـــودي                                                                                                                                                                                                            فشعرتُ أني في روابــي          الشـــــــام أولـــــدُ مــِـنْ جـديـــــدِ
وطني شبيهكِ في الجمال          وفــــي الجــــلال وفـــي الخلـــودِ
                     لكنه الحظ التعيس مُنِي به         ومُنيــــــتِ بـــــالحظ السعيــــــــدِ
                       فمشيتِ في رَكــْـبِ الحياةِ         ومشيــــتُ فـــي ركـــب الجمـــودِ 
                                                                                 من قصيدة: " بين دمشق والأحساء "
         
           وماذا بعد؟ هذا هو الشاعر أحمد راشد المبارك رحمه الله، شاعرٌ مطبوع، أبرز ما يميزه عواطفه الإنسانية، وشفافيته وصدقه، وبُعْده عن النفاق، ونضجه الفني، وحسّه اللغوي، امتلكَ ناصية البيان والأوزان، فغردتْ على لسانه القصائد، كما تغردُ الطيورُ في الفجر الجديد، وتضوعتْ منها المعاني السامية، كما يتضوع العبير من أكمام الزهر في الروض النضير.   

قراءة تحليلية في ديوان الصدى الضائع للشاعر أحمد راشد المبارك بقلم د. محمد ا

قراءة تحليلية في ديوان الصدى الضائع للشاعر أحمد راشد المبارك بقلم د. محمد ا

قراءة تحليلية في ديوان الصدى الضائع للشاعر أحمد راشد المبارك بقلم د. محمد ا

الأحد، 24 أكتوبر 2010

قصيدة بعنوان (مكالمة) للشاعر الجاغوب


مكــــالــمة

تهادى حَديثـُـك ِ وقتَ المساءْ


كهمـس النسيم و وقع ِ الغِناءْ

يثيــرُ الحنيـنَ بقلب المُحبِّ


و يُحيي السرورَ و يجلو العَناء

و يبعثُ في النفس حُلوَ الأماني


و يُرْقِصُ فيـها طيوفَ الضياء

و يسقي بقلبي جــذورَ الهوى


فتورق فيــه غصونُ الـرجاءْ

و تصحو طيورٌ شجــاها الودادُ


تغني اشتياقا لزيـــن النساءْ

و أسمعُ بين الضلـوع وَجيبَ ال


فؤاد يُغنّيكِ لحْـنَ الوفــــاءْ

رسولي إليـــــك نسيمُ الصَّبا


إذا ما ابتعدْنا و عزَّ اللقــــاءْ

سأبقى أناجيك ِ طيفـا جميـــلا


يزورُ حيِّيًا بجُنح الخفـــــاءْ




السبت، 23 أكتوبر 2010

قصيدة (في هجاء مُوظــّف) للشاعر محمد الجاغوب


مُوظفٌ أَوصَافهُ
 


مذمومةٌ ، بئسَ الرَجُلْ
 
مُنَافِـقٌ رئيسَهُ



لا يَسْتَحي مَهما فَعَلْ

مُهَدِّدٌ مَرؤوسَهُ



مِنْ غير جُرْم ٍ أو زَللْ

مُناكِفٌ زميلَه



صَفاقَةٌ لا تـُحتمَلْ

لَمَّا سَألتُ قَومَهُ



عَنْ طَبْعِهِ مُنذ الأَزلْ
 
كانَ الجَوابُ عِندَهم :


في لـُؤمِهِ يُحكى المَثَلْ