إنَّ مِن الشِعــر ِ لـَحِكمة
بقلم د. محمد الجاغوب
فــيا أمّـــة دبَّ فيـها الفـسادُ وطـَــمّ بأقـطـــابــها واغــتــــلى
ومــا أتـقــنتْ غـيرَ فـــن النـــفاق غــَـذتهُ وروّتـهُ حتـى رَبـا
إذا رفّ نـجـْـــمٌ فــخــُــدّامـُـه وأحـــنـَـقُ أعــدائـهِ إن هـــوى
غلـوتـُم بإسفافِـــكم في الهــوان فسُحــقـًا لــكم يا عبيدَ العَصَـا
ومــا أتـقــنتْ غـيرَ فـــن النـــفاق غــَـذتهُ وروّتـهُ حتـى رَبـا
إذا رفّ نـجـْـــمٌ فــخــُــدّامـُـه وأحـــنـَـقُ أعــدائـهِ إن هـــوى
غلـوتـُم بإسفافِـــكم في الهــوان فسُحــقـًا لــكم يا عبيدَ العَصَـا
الأبيات السابقة وردَتْ في مسرحية شعرية عنوانها (غروب الأندلس) للشاعر العربي الكبير عزيز أباظة، الذي وُلدَ عام 1898 بمدينة الزقازيق بمصر. والأبيات وردتْ على لسان عائشة والدة الملك أبي عبد الله، قالتها مخاطبة قادة الأندلس المتهافتين على إبرام صلح مع الإسبان يقضي بتسليمهم مدينة غرناطة المعقل الأخير للعرب في بلاد الأندلس. ويتضح من الأبيات سُخطـُها وغضبُها من أمّة عربية اعتاد أفرادها النفاقَ والتملق لملوك الأندلس وأمرائها أثناء عزِّهم ومَجدهم، وعندما يدور الزمان دورته ويضعف أحد هؤلاء الملوك يُسارع أولئك الناسُ لذمّه والتهجّم عليه ونعته بأقبح الصفات ويدعون لرحيله والخلاص منه، ناسين قصائد المديح التي قيلتْ في مدحه والحناجر التي بُحـّتْ بالهتاف له أيام عِزّه. فهي أمّة فشا فيها الفسادُ وعمّ كلّ شرائحها، وهي أمّة لا يُتقن أفرادُها غيرَ النفاق والتزلـف، ومن مظاهر ذلك النفاق أنهم مع الحاكم وهو في أوج قوته ومَجده، يخدمونه بأعينهم، وإذا ما هوى نجمُه وضعفتْ قبضته أظهروا له الكراهية والمَقت. وقد بالغوا في هذا النهج إلى حد الإسفاف. وعائشة في هذا الموقف تدعو عليهم بالسحق عقابًا لجنايتهم، وتصفهم بأنهم عبيد العصا أي يخضعون ويذلـّون لمن يستعبدهم بالقوة. ومصطلح (عبيد العصا) ورد في بداياته على لسان الشاعر العربي الجاهلي عَبيد بن الأبرص بن عوف بن جُشم الذي ينتهي نسبه إلى بني أسد. وقد عُمِّرَ عَبيد ما يزيد عن ثلاثمئة سنة، وشهد مقتل حُجر بن الحارث ملك كِندة، وكان حُجر قد تملـّكَ على بني أسَد أيضا فكان يأخذ منهم شيئا معلوما من المال في كل سنة. وحدَثَ أنهم امتنعوا ذات سنة عن الدفع له فسار إليهم بجيش فأخذ سادتهم وقتلهم بالعِصيّ، واعتقل طائفة أخرى من بينهم الشاعر عَبيد بن الأبرص، فوقف عبيد بين يدي الملك واصفا حال قومه من الذل والبلاء ومُستعطفا الملك حُجر، وقال قصيدة هذه بعض أبياتها:
يا عـين ما فابـكي بـني أسَـدٍ هـمُ أهـلُ النّـدامــة
في كل وادٍ بيـن يثـربَ والقـصور إلى اليَمـامَـه
تـطـريبُ عانٍ أو صياحُ مُـحــرَّقٍ وزقـاءُ هامَه
أنـتَ المَليــكُ عليهــمُ وهــمُ العبــيدُ إلى القِـيامَه
فرحِمَهم الملك وأشفقَ عليهم وعفا عنهم وأطلقَ سراحهم وردّهم إلى ديارهم. فلمّا كانوا على مسيرة يوم من تهامة تكهّنَ كاهنهُم عوف بن ربيعة الأسدي فقال لهم: ياعبادي! فقالوا لبّيكَ ربّنا! فقال: والغلاّبُ غيرُالمغلـّب في الإبل كأنها الرَبرَب لا يُقلقُ رأسَه الصَخَب هذا دمُهُ يثعبْ وهو غدًا أوّلُ من يُسلب. فقالوا: مَن هو ربَنا؟ قال: لولا تجيشُ نفسٌ جايشه أنبأتكم أنه حُجرُ ضاحية. فركبَ بنو أسد ركائبَهم وعادوا إلى حُجر فوجدوه نائما والوقت ضُحى، فدخلوا عليه وقتلوه غيلة وشدّوا على إبله واستاقوها معهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق