هل بدأت الحركة الشعبية في ليبيا تخرج عن سِلميَّـتها
بقلم د. محمد الجاغوب
الحركة الشعبية الليبية بدأتْ كحركة احتجاج سِلمية شأنها شأن الحركتين الشعبيتين في تونس ومصر فاكتسبتْ بادئ الأمر زخمًا وتأييدا جماهيريًا عربيّا ودوليّا عارمًا، ولكنها سرعان ما تعسكرتْ وصارت حربا طاحنة بين فريقين: الدولة بجيشها والمعارضون للدولة بعناصرهم التي تسللتْ إلى ليبيا بعد الانفلات الأمني وبالأسلحة التي استولتْ عليها من مخازن الجيش النظامي، والصور الميدانية التي تبثها القنوات الفضائية تظهر مشاهد من المعارضين وهم يستخدمون أنظمة الدفاع الجوي ويهزمون الجيش النظامي في أكثرمن موقعة؛ وهذا ما يؤيد الرواية الحكومية التي تقول بأن تنظيم القاعدة وتيارات إسلامية مُدرّبة متطرفة ومعارضين ليبيين كانوا يختبئون في عواصم الغرب هي التي تدير المواجهات الآن، ولعلّ هذا التشابه في القوة هو الذي يحول دون الحسم ويؤدي لإطالة أمد النزف الدموي، وهو الذي بدأ يُقلـّل من حجم التأييد العربي والدولي لمطالب تلك المعارضة التي راحت تـُحرّض الغرب ومجلس الأمن على بلادها وتنتظر أن تهب الرياح لصالحها لتغنمَ السلطة بعد العقيد القذافي تماما مثلما فعل معارضو الرئيس العراقي صدام حسين عندما وصلوا لحكم العراق على دبابات الاحتلال الأمريكي، إنّ الذي يتابع بث فضائيتي الجزيرة والعربية يكتشف أنهما تجريان مقابلات مستمرة مع معارضين ليبيين من ذوي الاتجاهات الإسلامية الطامحين إلى الحكم وأنهما تشحذان هِممَ مقاتلي المعارضة وتصفان أولئك المقاتلين بالمدنيين المسالمين العُزّل، إذا كان أولئك المعارضون مجرد أناس ٍعُزّل فكيف يستولون على المواقع الحكومية ويُسيطرون على مدن الدولة ويُجبرون الجيش الليبي على التراجع عن مواقعه المُحصّنة؟! عندما تمّ إقصاء زين العابدين بن علي وحسني مبارك عن سدة الحكم في بلديهما تمكن الجيشان التونسي والمصري من ضبط حدود البلاد ومنع تسلل تنظيم القاعدة وسائر التيارات الإسلامية المتطرفة؛ لذلك لم تحدث مواجهات مسلحة بين المحتجين المسالمين وقوات الجيش في البلدين، أما في ليبيا فالبلاد واسعة والجيش أقل قوة من ذانك الجيشين. والجماهير العربية التي ساندت بقوة حركات التحرر الشعبية في تونس ومصر تقف الآن حائرة على الأرجح تجاه ما يجري في الجماهيرية الليبية، هل هي ثورة شعبية مدنية مسالمة أم هي تنظيمات مسلحة ومعارضون انتهازيون وصوليون يبحثون عن السلطة فوق جماجم المدنيين الأبرياء؟. نعم هذه هي ليبيا ذات الخصوصية التي تحدث عنها سيف الإسلام القذافي والتي تقف الآن على حافة حرب أهلية قد تؤدي إلى تقسيم البلاد واستباحة ثرواتها النفطية. وذلك هو العراق المُوحَد المستقر في عهد الرئيس صدام حسين. وها هو العراق الممزق الآن أرضا وسكانا يرزح تحت نير الاحتلال الأمريكي منهوبة ثرواته مهدورة دماء أبنائه. والأغلبية الصامتة من شعب العراق يترحّمون على عهد الرئيس صدام حسين الذي ضمِنَ لهم عراقا قويّا غنيًّا عزيزا وآمنًا. العرب في أقطارهم يتمنون لليبيا وللعراق ولشعبيهما الأمن والاستقرار والازدهار وأن تنجلي الغمة من فضاء ذانك البلدين الشقيقين، وأن تتعظ حركات التحرر في الأقطار العربية الأخرى فتحافظ على مسارها السلمي وتنأى بطريقتها في الاحتجاج عن اللجوء للعنف والخراب وسفك الدماء؛ لأن الخسارة في صفوف الشعب وفي صفوف الحكومات هي خسارة للأمة وللوطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق