صرّح ناطق باسم الإدارة الأمريكية أن خطاب الرئيس بشار الأسد لم يكن في مستوى طموحات الشعب العربي السوري. غريب جدا أمر الإدارة الأمريكية فمنذ متى تحرص أمريكا وإداراتها المتعاقبة على طموحات الشعوب العربية؟! أليست أمريكا هي التي استباحت الحقوق العربية والأوطان العربية والدماء العربية والثروات العربية؟! أليست أمريكا هي التي ساندت إسرائيل في كافة حروبها ضد الإنسان العربي؟ أليست حقوق النقض الأمريكية أو ما يسمى بالفيتو هي التي قوّضت الأحلام العربية وخنقتْ طموحات الإنسان العربي؟ أليست أمريكا هي التي ساندت الأنظمة العربية ضد شعوبها عبر سنين طويلة؟ أليست أمريكا هي التي دمّرت ملجأ العامرية العراقي فوق رؤوس المدنيين الأبرياء عام 1991؟ أليست أمريكا هي التي احتلت العراق ودمرته وأعادته للعصر الحجري؟ أليست الطائرات الأمريكية هي التي قتلتْ مدنيين سوريين أبرياء في غارات على الحدود العراقية السورية؟ أليست الطائرات الأمريكية هي التي تدكّ معالم الحياة والعمران في الجماهيرية الليبية بذريعة مساندة المعارضة الليبية الباحثة عن التحرر والحالمة بالسلطة ولو سباحة فوق أنهار الدم؟ عيب على الإدارة الأمريكية هذا التدخل الصفيق في الشأن العربي. ليت الأمريكيين يعلمون أن العلاقة بين أمريكا وبين العرب وصلت حدّ كسر العظم وأن الجماهير العربية لا تثق بالسياسة الأمريكية ولا بالساسة الأمريكيين وترفض بشدة الحرية التي تعدها بها أمريكا. إن العرب الذين يستغيثون بالأمريكيين ليسوا إلا كمن يستغيث من الرمضاء بالنار/ د. محمد الجاغوب
الأربعاء، 30 مارس 2011
الاثنين، 28 مارس 2011
إنَّ مِن الشِعــر ِ لـَحِكمة
إنَّ مِن الشِعــر ِ لـَحِكمة
بقلم د. محمد الجاغوب
فــيا أمّـــة دبَّ فيـها الفـسادُ وطـَــمّ بأقـطـــابــها واغــتــــلى
ومــا أتـقــنتْ غـيرَ فـــن النـــفاق غــَـذتهُ وروّتـهُ حتـى رَبـا
إذا رفّ نـجـْـــمٌ فــخــُــدّامـُـه وأحـــنـَـقُ أعــدائـهِ إن هـــوى
غلـوتـُم بإسفافِـــكم في الهــوان فسُحــقـًا لــكم يا عبيدَ العَصَـا
ومــا أتـقــنتْ غـيرَ فـــن النـــفاق غــَـذتهُ وروّتـهُ حتـى رَبـا
إذا رفّ نـجـْـــمٌ فــخــُــدّامـُـه وأحـــنـَـقُ أعــدائـهِ إن هـــوى
غلـوتـُم بإسفافِـــكم في الهــوان فسُحــقـًا لــكم يا عبيدَ العَصَـا
الأبيات السابقة وردَتْ في مسرحية شعرية عنوانها (غروب الأندلس) للشاعر العربي الكبير عزيز أباظة، الذي وُلدَ عام 1898 بمدينة الزقازيق بمصر. والأبيات وردتْ على لسان عائشة والدة الملك أبي عبد الله، قالتها مخاطبة قادة الأندلس المتهافتين على إبرام صلح مع الإسبان يقضي بتسليمهم مدينة غرناطة المعقل الأخير للعرب في بلاد الأندلس. ويتضح من الأبيات سُخطـُها وغضبُها من أمّة عربية اعتاد أفرادها النفاقَ والتملق لملوك الأندلس وأمرائها أثناء عزِّهم ومَجدهم، وعندما يدور الزمان دورته ويضعف أحد هؤلاء الملوك يُسارع أولئك الناسُ لذمّه والتهجّم عليه ونعته بأقبح الصفات ويدعون لرحيله والخلاص منه، ناسين قصائد المديح التي قيلتْ في مدحه والحناجر التي بُحـّتْ بالهتاف له أيام عِزّه. فهي أمّة فشا فيها الفسادُ وعمّ كلّ شرائحها، وهي أمّة لا يُتقن أفرادُها غيرَ النفاق والتزلـف، ومن مظاهر ذلك النفاق أنهم مع الحاكم وهو في أوج قوته ومَجده، يخدمونه بأعينهم، وإذا ما هوى نجمُه وضعفتْ قبضته أظهروا له الكراهية والمَقت. وقد بالغوا في هذا النهج إلى حد الإسفاف. وعائشة في هذا الموقف تدعو عليهم بالسحق عقابًا لجنايتهم، وتصفهم بأنهم عبيد العصا أي يخضعون ويذلـّون لمن يستعبدهم بالقوة. ومصطلح (عبيد العصا) ورد في بداياته على لسان الشاعر العربي الجاهلي عَبيد بن الأبرص بن عوف بن جُشم الذي ينتهي نسبه إلى بني أسد. وقد عُمِّرَ عَبيد ما يزيد عن ثلاثمئة سنة، وشهد مقتل حُجر بن الحارث ملك كِندة، وكان حُجر قد تملـّكَ على بني أسَد أيضا فكان يأخذ منهم شيئا معلوما من المال في كل سنة. وحدَثَ أنهم امتنعوا ذات سنة عن الدفع له فسار إليهم بجيش فأخذ سادتهم وقتلهم بالعِصيّ، واعتقل طائفة أخرى من بينهم الشاعر عَبيد بن الأبرص، فوقف عبيد بين يدي الملك واصفا حال قومه من الذل والبلاء ومُستعطفا الملك حُجر، وقال قصيدة هذه بعض أبياتها:
يا عـين ما فابـكي بـني أسَـدٍ هـمُ أهـلُ النّـدامــة
في كل وادٍ بيـن يثـربَ والقـصور إلى اليَمـامَـه
تـطـريبُ عانٍ أو صياحُ مُـحــرَّقٍ وزقـاءُ هامَه
أنـتَ المَليــكُ عليهــمُ وهــمُ العبــيدُ إلى القِـيامَه
فرحِمَهم الملك وأشفقَ عليهم وعفا عنهم وأطلقَ سراحهم وردّهم إلى ديارهم. فلمّا كانوا على مسيرة يوم من تهامة تكهّنَ كاهنهُم عوف بن ربيعة الأسدي فقال لهم: ياعبادي! فقالوا لبّيكَ ربّنا! فقال: والغلاّبُ غيرُالمغلـّب في الإبل كأنها الرَبرَب لا يُقلقُ رأسَه الصَخَب هذا دمُهُ يثعبْ وهو غدًا أوّلُ من يُسلب. فقالوا: مَن هو ربَنا؟ قال: لولا تجيشُ نفسٌ جايشه أنبأتكم أنه حُجرُ ضاحية. فركبَ بنو أسد ركائبَهم وعادوا إلى حُجر فوجدوه نائما والوقت ضُحى، فدخلوا عليه وقتلوه غيلة وشدّوا على إبله واستاقوها معهم.
الأحد، 27 مارس 2011
أهمية الطابع السلمي للثورات العربية المعاصرة
منذ نصف قرن والوطن العربي يئنّ تحت أنظمة حكم شمولية فردية قمعية متسلطة، وعندما قام الشعبان العربيان في تونس ومصر بحركتهما الشعبية السلمية تيمّنَ بهما العرب في كافة أقطارهم ودعوا للثورتين بالنصر فكان انهيار حكم الطاغيتين ابن علي وحسني مبارك. وتلاحقت الأحداث في وطن يتوق إلى الحرية فكانت الحركة الشعبية الليبية التي بدأت سِلمية الهدف والأسلوب ونالت تعاطف العرب والشعوب الصديقة. ولكن ما لبثتْ أن ركبتْ موجة هذه الحركة قوى سلفية إسلامية متطرفة و قوى استعمارية متغطرسة وقوى الأعاجم والأقليات الحاقدة على العرب وانضمت إلى هذه القوى الرجعية العربية المُتصيدة في الماء العكر الباحثة عن الأمجاد الوهمية المتعطشة للشهرة والدارئة عن نفسها شبهة الشمولية والديكتاتورية فكان أن انحرفتْ بوصلةالحركة الشعبية الليبية عن مسارها ودخلت في أتون نزاع مسلح بدعم عسكري من القوى المذكورة والنتيجة إطالة أمد الصراع وسيل مزيد من الدماء وخراب الوطن العربي الليبي. وعندما نستمع إلى بعض رموز الحركة الشعبية الليبية وهم يتحدثون بأريحية من خلال القنوات الفضائية نحس بأن عداءَهم للعقيد معمر القذافي يستولي على عقولهم لدرجة الإعلان بصراحة عن ترحيبهم بالدعم العسكري الأمريكي والرجعي العربي وربما يقبلون الدعم الإسرائيلي لو قـُدّم لهم. من هنا صار المواطن العربي يتساءل هل من فرق بين هؤلاء وبين المعارضة العراقية التي استقوت بالغزو الأمريكي للتخلص من حكم الرئيس صدام حسين فكان أن أوصلت العراق إلى الاحتلال والانقسام والحرب الأهلية. والمتابع للأحداث يوشك أن يتوصل إلى أن تلك القوى المشبوهة ذاتها هي التي تلعب بالنار داخل الجمهورية العربية السورية وبالأدوات ذاتها وتريد أن تحرق المراحل فلم تقم فيها حركة شعبية مسالمة بل إنها ولدت من رحم العنف وسفك الدماء منذ اليوم الأول، وأغلب الظن أنها لن تهدأ حتى تصل إلى ما تريده وهو السلطة ونهب الثروات وإضعاف القوى المعادية لإسرائيل. وفي نظرة موازية على الأوضاع في البحرين على سبيل المثال وهي أوضاع مشابهة تماما من حيث السعي إلى التحرر الوطني والإصلاح والتغيير وإقامة نظام ديمقراطي يتسم بالعدالة فإن تلك القوى المشبوهة سارعت إلى لملمة الوضع في البحرين وإنهائه بأي وسيلة حتى لو كان في ذلك ازدواجية في المعايير والأسباب معروفة. لقد قامت في الوطن العربي خلال المئة سنة الأخيرة ثورات شريفة الأهداف منزهة الأساليب وسطـّرتْ صفحات خالدة في سفر التحرر العربي، ولا يغيب عن عين المثقف ثورة أحمد عرابي في مصر وثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق وثورة الضباط الأحرار في مصر وثورة اليمن الجنوبي وثورة السلال والثورات السورية والفلسطينية والجزائرية، وهذه كلها نالت الشرف من كونها عدوة للاستعمار الأوروبي والأمريكي والصهيوني الذي لم يتبنَّ تلك الثورات ولم يدافع عنها بل حاربها دون هوادة. إنّ الحكومات العربية مطالبة اليوم بالتوجه نحو إصلاح حقيقي للأوضاع الفاسدة في الوطن العربي ومطالبة بمنح الجماهير العربية حرية التعبير وحرية المشاركة في صنع القرار. وإن الجماهير العربية مطالبة بالتنبّه لحقيقة ما يجري وفضح المخططات المشبوهة وعدم الانخداع بالشعارات البراقة والتضليل الإعلامي المزيّف والمأجور. كما أن هذه الجماهير عليها أن تنحني احترامًا للشعبين التونسي والمصري اللذين برهنا على أنهما يتحليان بسمو الهدف ورفعة الأسلوب إضافة إلى الروح الوطنية والقومية العالية حيث لم يفسحا المجال لتلك القوى الظلامية لكي تندس بين صفوفهما وتسرق الثورة منهما د. محمد الجاغوب
الجمعة، 18 مارس 2011
الإصلاح السياسي في الوطن العربي
الإصلاح السياسي في الوطن العربي
د. محمد الجاغوب
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 م بدأت تشيع في أرجاء الوطن العربي ثقافة الإصلاح السياسي، تلك الثقافة التي لم تألفها الجماهير العربية ولم يألفها حتى الداعون إليها والمنادون بها، وراحت تتناقلها وسائل الإعلام وتروج لها. والحقيقة أنّ مصطلح الإصلاح السياسي في وطننا كلمة حقٍ يراد بها باطل، لأنها لم تولد في وطننا ولادة طبيعية ولا شرعية بل أُنزلت علينا من الجو نزول الجنود الغزاة بالمظلات أو نزول القنابل الانشطارية على رؤوس الأبرياء وليس عصيّاً على ذي بصيرة أن يدرك الهدف من ورائها ومن وراء توقيتها. لقد أحس الأمريكان بمدى الكراهية والحقد اللذين تختزنهما الذاكرة العربية تجاههم، لكنهم لم يدركوا الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تلك التراكمات، ومن أبرز تلك الأسباب دعمهم لإسرائيل التي تحتل الأرض العربية، وحمايتهم للطغاة الذين يُمعنون في قهر الناس وكبت أنفاسهم ويحتكرون لأنفسهم حق سياستهم، علاوة على نهبهم لثروات الوطن وتبديدها في وجوه غير مشروعة. لذلك اختار الأمريكيون العزف على وتر الإصلاح السياسي، وتظاهروا بالرغبة في محاسبة أصدقائهم من الحكام فراحوا يدعونهم إلى الإصلاح ونبذ الاستبداد وتحسين ظروف شعوبهم، بل وربما أصدروا أوامرهم لدعم هذا التوجه. وعلى أثر ذلك قام بعض هؤلاء الحكام وأعوانهم بتسريب تصريحات حول نيتهم في الإصلاح، لا بهدف الإصلاح الحقيقي بل بهدف إطالة أمد حكمهم المستبد وإضفاء شيءٍ من الشرعية عليهم، فراحوا يتحدثون عن حقوق المرأة التي امتهنوها سنين طويلة واعدين المرأة بالمشاركة في بعض أنواع الانتخابات الهامشية، وإعطائها بعض الحقائب الوزارية ومنحها حق العضوية في مجالس لا يقدم رأيها ولا يؤخر. كما قرروا التساهل في شكليات أخرى لا تسمن ولا تغني من جوع مثل التسامح بارتداء البنطال ووضع الباروكة على الرأس.
إن الإصلاح الحقيقي لا يتم مع الشمولية والتفرد والحكم مدى الحياة، إنّ مِن أول متطلبات الإصلاح السياسي إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية حقيقية، ورفع اليد عن وسائل الإعلام الحكومية التي تجلب الهم لكل من يشاهدها، وتحرير المنابر من الخطباء المأجورين الذين يضللون الناس، والتوزيع العادل للثروة ومحاسبة الفاسدين والرقابة الصارمة على أموال الأمة. إن إصلاحاً من هذا القبيل فقط يكون له معنى، وإذا ما أراد الأمريكيون فعلاً تشجيع إصلاحٍ حقيقي وخلق ديمقراطية حقيقية في وطننا فما عليهم إلا أن يقولوا لأصدقائهم من الحكام العرب القول المأثور: إما اعتدلتم وإما اعتزلتم!! ومعلوم أنّ الاعتدال والاعتزال بالنسبة لهؤلاء يساوي الموت. أما إذا كان الإصلاح شكلياً فهذا يعني إضفاء الشرعية على النظم الحالية وتحسين صورتها في أعين الناس، إلا أنّ ذلك لن يطول كثيرًا، فإنّ للصبر حدودًا تنتهي الشعوب إليها، ولا بد ّأن يأتي اليوم الذي تقول فيه الشعوب كلمتها الفصل بشأن حريتها التي ربما تكون حمراء قانية ولكنها ستقود إلى نصر محتوم.
إن الأمريكيين يعلمون عِلم اليقين أنه بمجرد حدوث إصلاح حقيقي وظهور ديمقراطية حقيقية في الوطن العربي سيختفي أصدقائها وموالوها التقليديون وتظهر قيادات شرعية شابة ووطنية تمثل الشعوب. والشعوب كما هو معروف لا تقبل بمهادنة من يحتل أرضها، وهذا في حد ذاته يشكل خطراً حقيقياً على إسرائيل، وهذا ما لا ترضاه أمريكا، وهو بالنسبة لها خط أحمر لا يمكنها تجاوزه إلا رغمًا عنها، لذلك فإنها ستظل تتحدث مع أصدقائها العرب عن إصلاحات شكلية تذرُّ الرماد في عيون الجماهير لتخدرها، وتحفظ ماء الوجه للأنظمة وتطيل أمد بقائها ما أمكن.
الأربعاء، 16 مارس 2011
أين العربُ عن نـُصرة شعب البحرين الأعزل
اعتصامات الشعب البحريني في ميدان اللؤلؤة واحتجاجاته أفزعت حكومات الخليج العربي لأنها اعتبرت تلك الاعتصامات فاتحة لدعوات مماثلة للتغيير في تلك المنطقة فتنادت تلك الحكومات لنصرة حكومة البحرين ضد شعبها بذريعة حفظ الأمن، ولكن أي أمن؟ هل هو أمن الشعب أم أمن النظام الحاكم؟! وتدفقت قوات درع الجزيرة على البحرين وبدأت عملية قمع للمتظاهرين المسالمين ولم تثر ثائرة الإعلام العربي كما ثارت ضد حكومة العقيد معمر القذافي، ولم يتنادَ وزراء الخارجية العرب إلى عقد اجتماع طارئ، بل ولم يظهر مراسلو قناة الجزيرة وقناة العربية في شوارع المنامة ليصوّروا كل صغيرة وكبيرة، ولم يتباكوا على المدنيين العُزل مثلما كانوا يتباكون على مدنيي غزة أو ليبيا، ولم يطالب الأمين العام للجامعة العربية مجلس الأمن بعقد اجتماع لاستصدار قرار يوفر الحماية لشعب البحرين. فهل هذا تناقض عربي؟! الصحيح أنّ هذا ليس تناقضا عربيا وحسب، بل هذه وقاحة عربية تدعمها امبراطريات المال والإعلام الضال والمـُضلـِّل، قامت قيامة وزراء خارجية الحكومات العربية لصالح ثورة الشعب الليبي إلى حد المطالبة بحمايتها دوليا حتى لو اقتضى ذلك تدخلا عسكريا أمريكيا في الجماهيرية الليبية. ولم يطل الأمر حتى انكشفت عورات ذلك النظام العربي المهترئ المنافق، فهذه حكومة البحرين مدعومة بجيوش خليجية تنقضُّ على شعبها الأعزل وتبطش به بما يشبه البطش الإسرائيلي بالفلسطينيين، و يا لهول المفاجأة! انخرستْ أصوات وزراء الخارجية العرب، وانخرستْ أبواق الإعلام العربية ولا سيما الخليجية منها، ولم تدع إلى وقف الذبح بحق الشعب البحريني، ناهيك عن أن أحدا لم يطالب لهم بحماية دولية. إذا عُرف السبب بطل العجب، فالبحرين فيها قواعد عسكرية أمريكية ويحول وجودها دون تطبيق حظر جوي على البحرين، كما أنّ تضعضع وضع النظام في البحرين ينذر بانهيارات أخري في منطقة الخليج الغنية بالنفط والتي تشكل منطقة استراتيجية بالنسبة لأمريكا والغرب عموما. لكنّ أقل ما يمكن أن يطلبه المواطن العربي هو أن تتوقف فضائيات الخليج العربية الكبرى عن التباكي بدموع التماسيح على الشعب الأعزل في ليبيا وفي غزة حتى لا يتعرض موقفها لمزيد من الحرج أو لمزيد من الانتقاد اللاذع
اعتصامات الشعب البحريني في ميدان اللؤلؤة واحتجاجاته أفزعت حكومات الخليج العربي لأنها اعتبرت تلك الاعتصامات فاتحة لدعوات مماثلة للتغيير في تلك المنطقة فتنادت تلك الحكومات لنصرة حكومة البحرين ضد شعبها بذريعة حفظ الأمن، ولكن أي أمن؟ هل هو أمن الشعب أم أمن النظام الحاكم؟! وتدفقت قوات درع الجزيرة على البحرين وبدأت عملية قمع للمتظاهرين المسالمين ولم تثر ثائرة الإعلام العربي كما ثارت ضد حكومة العقيد معمر القذافي، ولم يتنادَ وزراء الخارجية العرب إلى عقد اجتماع طارئ، بل ولم يظهر مراسلو قناة الجزيرة وقناة العربية في شوارع المنامة ليصوّروا كل صغيرة وكبيرة، ولم يتباكوا على المدنيين العُزل مثلما كانوا يتباكون على مدنيي غزة أو ليبيا، ولم يطالب الأمين العام للجامعة العربية مجلس الأمن بعقد اجتماع لاستصدار قرار يوفر الحماية لشعب البحرين. فهل هذا تناقض عربي؟! الصحيح أنّ هذا ليس تناقضا عربيا وحسب، بل هذه وقاحة عربية تدعمها امبراطريات المال والإعلام الضال والمـُضلـِّل، قامت قيامة وزراء خارجية الحكومات العربية لصالح ثورة الشعب الليبي إلى حد المطالبة بحمايتها دوليا حتى لو اقتضى ذلك تدخلا عسكريا أمريكيا في الجماهيرية الليبية. ولم يطل الأمر حتى انكشفت عورات ذلك النظام العربي المهترئ المنافق، فهذه حكومة البحرين مدعومة بجيوش خليجية تنقضُّ على شعبها الأعزل وتبطش به بما يشبه البطش الإسرائيلي بالفلسطينيين، و يا لهول المفاجأة! انخرستْ أصوات وزراء الخارجية العرب، وانخرستْ أبواق الإعلام العربية ولا سيما الخليجية منها، ولم تدع إلى وقف الذبح بحق الشعب البحريني، ناهيك عن أن أحدا لم يطالب لهم بحماية دولية. إذا عُرف السبب بطل العجب، فالبحرين فيها قواعد عسكرية أمريكية ويحول وجودها دون تطبيق حظر جوي على البحرين، كما أنّ تضعضع وضع النظام في البحرين ينذر بانهيارات أخري في منطقة الخليج الغنية بالنفط والتي تشكل منطقة استراتيجية بالنسبة لأمريكا والغرب عموما. لكنّ أقل ما يمكن أن يطلبه المواطن العربي هو أن تتوقف فضائيات الخليج العربية الكبرى عن التباكي بدموع التماسيح على الشعب الأعزل في ليبيا وفي غزة حتى لا يتعرض موقفها لمزيد من الحرج أو لمزيد من الانتقاد اللاذع
الاثنين، 14 مارس 2011
امبراطوريات الإعلام الخليجية والكيل بمكيالين
دخول القوات المصرية إلى اليمن بطلب من حكومتها قبل نصف قرن اعتبرته دول الخليج العربية غزوا خارجيا وقاومته بالسلاح حتى تمّ إخراجه. واعتبرت دخول القوات السوفييتية لأفغانستان بطلب من حكومتها قبل 35 عاما غزوا خارجيا وموّلتْ مقاومته، واعتبرت وجود القوات السورية في لبنان قوات احتلال وساعدت أعوانها في ذلك البلد حتى تم إخراج تلك القوات. والآن كيف تنظر دول الخليج العربية إلى التدخل العسكري السعودي والإماراتي في البحرين؟ هل تراه غزوا خارجيا؟ هل يستحق شعب البحرين مساعدة عسكرية دولية لحمايته؟ لماذا تطالب دول مجلس التعاون الخليجي بإلحاح بتغيير نظام الحكم في ليبيا؟ لماذا تطالب دول الخليج العربي بإلحاح بمظلة حماية دولية للشعب الليبي؟ أليس هذا كيلٌ بمكيالين؟ هل يستطيع الإعلام الخليجي أن يخدع كل الناس كل الوقت؟ هل تعتقد وسائل الإعلام الخليجية أنّ الرأي العام العربي والدولي مستعد لأن يصدق بأنّ ما يجري في البحرين هو صراع طائفي؟ يبدو أن وسائل الإعلام الخليجية مازالت تعيش في تفكيرها عقلية ما قبل تقدم وسائل الاتصال، الرأي العام العربي والدولي يعرف الحقيقة جيدا ويعرف أن ما يجري في البحرين هو صراع بين شعب بكافة أطيافه السنية والشيعية متحدة وبين حكم سرمدي شمولي يرفض الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة. الرأي العام العربي والدولي يعرف جيدا أن ما يسمى بقوات درع الجزيرة التي وصلت البحرين لتحفظ الأمن هناك إنما جاءت لتحفظ أمن نظام الحكم وليس لحفظ أمن البلاد والمواطنين. ليس هذا رجمًا بالغيب وإنما هي حقائق لا تلبث الأيام القادمة أن تثبتها وإن غدا لناظره قريب
السبت، 5 مارس 2011
ديوان الصدَى الضائع - أحمد راشد المبارك بقلم د. محمد الجاغوب
ديوان الصدَى الضائع - أحمد راشد المبارك
بقلم د. محمد الجاغوب
منذ اللحظة التي بدأتُ أُجيلُ فيها النظر في ديوان الشاعر أحمد راشد المبارك تبيّنتُ أنني أمام موهبة عظيمة، يتمتع صاحبُها بشاعرية فذة وشفافية عالية من الحسّ المرهَف والموهبة الفطرية، وأنه تحرِّكه في كل قصائده عاطفة إنسانية صادقة ومتوقدة، لا يخالطها تكلفٌ ولا رياء، وأنه يمتلك كفاية وحِساً لغوياً، مكّناهُ من صَوغ قصائده بعبارة رصينة وألفاظ منتقاة، في إطار الشعر العمودي والأوزان العروضية المعروفة، وإنْ كان يميل إلى شيء من التجديد من خلال التنويع في القافية أحياناً. وما قصائد هذا الديوان إلاّ دليل صادق على كل تلك الملَكات. إنّ المتأملَ لهذا الديوان يستشفّ المحاور الرئيسة التي تناولها الشاعر في قصائده، وهي: الوجداني والإنساني والاجتماعي والوطني، وفوق ذلك محور الطبيعة الذي يتداخل مع المحاور السابقة ولا يمكن فصله عنها، فالمذهب الرومانسي يتجلى بوضوح في العديد من قصائد الديوان، فالشاعر يحب الطبيعة النقية بكل عناصرها، يناجيها ويتغنى بها، ويُسبغ عليها من الصفات الإنسانية، فهي تشاركه أحاسيسَه وشجونه، فالروض يُقلعُ عن التزيّن بالخضرة والشذى والماء والطير.
وجئتُ إلى الروض النضير فراعَني من الروض ذيّاك الأسى والتجهمُ
فلا الزهرُ فوّاح ولا الروضُ ناضــرٌ ولا الماءُ سَلسالٌ ولا الطير مُغرَمُ
ولا أنــا ذيّـــاك الــــــذي تعــرفينــه كأنـــيَ تمثــــالٌ مُضــــاع مُهــدّمُ
" قصيدة اعترافات "
وفي بعض القصائد يجد الشاعر المبارك في الخروج إلى الطبيعة حلاً لبعض المشكلات الاجتماعية.
في الروض من بغي الورى ملجأ وفيــه للحــُب مقــــــام رحيـــــب
" قصيدة من وحي الحرمان "
وفي قصيدة " ليلة الميعاد " تصوير دقيق للطبيعة، حيث تقف عاشقة تنتظرُ حبيبَها، ولكنه لا يأتي، يبيّن فيها الشاعر خلجات النفس البشرية وقلقها، من خلال تخمين تلك العاشقة للأسباب التي حالت دون قدوم حبيبها.
وشاعرنا كثيراً ما يرى جمال المحبوب في جمال الطبيعة، بل إنّ جمال الطبيعة بعضٌ مما فاضتْ به عينا المحبوبة.
الشِعرُ ما يحوي حديـثـُك رائعـــاً والسحــرُ مــا قـذفتْ بـه عيناكِ
وأرى خيالاً في الطبيعـة فاتنــاً فأحسّ في قلبـي دبيبَ خطـــاكِ
وأرى صفاءَ النهر بين ضفافـه فأحسّ في قلبــي جمــال صِفاكِ
" قصيدة همسات "
هكذا هي الطبيعة بعناصرها المختلفة موجودة في شعر شاعرنا، وتتمازج أطيافها مع طيف المرأة؛ فهو مُغرم بهما معاً، ويقارن بين جماليهما، ويبث شكواه لهما، وكثيراً ما تتدفق عواطفه قوية في المجال الوجداني عندما يصوّر خلجات المحب، ويتغنى بجمال المحبوب في نسيب رقيق، يظهر في قصائد: انتظار، من وحي الحرمان، اعترافات، حلم، نجوى، اذكريني، في الهيكل وهمسات.
ومع ذلك، فشاعرنا أحمد المبارك إنسان قبل كل شيء، فهو يبدع في تصوير النفس البشرية بكل أبعادها ونوازعها وهواجسها وتجلياتها، فهو يتنقل بين التفاؤل والتشاؤم، فعندما يكون متفائلاً يرى الروضَ نضيراً والطيرَ مُغرداً، والغصنَ غضاً والماءَ رقراقاً، وعندما يكون حزيناً تلفـُه نزعة تشاؤمية، تجعله يضيق ذرعاً بهجر المحبوب، فيُحمِّله مسؤولية ما يعانيه من تباريح الهوى، وهذا ما يبدو في قصائد: أصداء النفس، كيف أسلو، إلى قلبي، صوفية الحب، أين تريد، أين أنّاته، حيث يستبد به القلق، وتنتابه نزعات متناقضة كثيراً ما تكتنف النفس البشرية، فهو يرى القيثارة صامتة، والأوتار والأنغام نائمة، وبِشَغف الإنسان بالبحث عن الحقيقة، يتساءل عن قضية طالما شغلتْ بالَ الإنسان، وهي ما وراء الغيب، يقول في قصيدة " في المعترك ":
يا من يزيحُ ستارَ الغيب عن بصري لعلّ قلبي يرى تمثاله السامي
لكنّ هذه الحقيقة - كما يقول - دونها سيل العرم. وهو في غمرة البحث عن الحبيب الغائب لم يَعُدْ يرى شيئاً جميلاً. وفي قصيدة " ضراعة " نجده يقول:
ماتت الأحلامُ في قلبي وغابت خلفَ ظني
وترافقه هذه النزعة التشاؤمية حين يوجّه خطابه إلى " ميّ " ويطلب إليها ألا تنخدع بالصِّبا والشباب، فوراءه شيبٌ وهرمٌ وذبولٌ وصمتٌ وظلام . " قصيدة هذا الختام ".
وفي قصيدة " ألحان اليأس " تهاوت أمانيه، ولم يتحقق له في حياته أربٌ ولا وطر. وفي قصيدة
" أصداء نفس " يتحدث عن إحباط مشاريعه واغتيال طموحاته، ويصوّر المحبوبة على أنها كل شيء في حياته، وهي رمز مُقدسٌ لديه، إلا أنها برهنتْ له على أنها مُجرد أنثى عادية.
الآن أعرفُ في الغرام نهـــايتي وعرفتُ في سوق الهوى إفلاسـي
وتحققتْ فيك الظنونُ وطالمــــا كــذّبتُ ظنـــي واتهــمتُ قيـاســي
ورجعتِ أنثى في الحقيقة بعدما قــد كـنــتِ عنـدي غايــة الأقـداس ِ
وفي المحور الاجتماعي يعْرف الشاعر المبارك تركيبة مُجتمعه، وطبيعة الناس وهواجسَهم، ويصور في بعض قصائده الأمراض الاجتماعية المتفشية بينهم، مثل: بغي الورى، وانطباع الذل في بعض النفوس، ويرى أنّ الطهارة من كل هذه الأدران تكمن في الخروج إلى الروض. وفي المحور ذاته يُحسن التعامل مع أبناء مُجتمعه، فهو يشاركهم حياتهم، ويداعبهم في بعض قصائده، مثل: قصيــدة: " الشنب " التي يصور فيها بعض العادات بروح الفكاهة والدعابة. وهو يحب أبناءَ مجتمعه، ويعز عليه فقدان أحدهم، وتجلى ذلك واضحاً في مراثيه للعديد منهم، وهو يقف وقفة وفاء لأناس اختطفتهم يد المنون، فنراه مذهولاً هو والآخرين، لا يملك غير الدموع وطلب الرحمة لهم، وهو في مراثيه يتدفق كالنهر، وكأنّ الموتَ يحركُ كوامنَ نفسه؛ فتنهلّ دموعُه سخية سخينة، يظهر ذلك في رثائه لكل من الشيخ إبراهيم ، والشيخ العلامة عبد العزيز المبارك.
وللوطن في قلب الشاعر أحمد المبارك مساحة واسعة، فهو يحبُ وطنـَه العربي الكبير، ويصورُ المخاطرَ التي تتهددُه، ففي قصيدة " شُلتْ يدُ البغي " تتجلى الروح القومية والعربية الأصيلة عند حديثه عن مصر والشام ودار السلام، ثم يذكر بعض الطامعين في هذا الوطن، مثل: ديان و شارون والفرس وبغاث الطير والرّخم، وهو يهرع إلى التاريخ يناجي القادسية، ويهيبُ بسعد بن أبي وقاص أن يعيدَ لنا قادسية جديدة، ثم يُحذرُ أبناءَ قومه من مغبة طلب العون من الباغي، فالباغي لا يفي بعهده، ولا يهمُه إلا تأمين مصالحه، يقول: إنّ هذا الباغي يعيث في أوطاننا سُكـْراً وعربدة، وفوق ذلك ندفع له الثمن من أموالنا.
وللأعــادي على الأوطــان عَربدة ٌ والخمْرُ من كرْمِنا والكأسُ والخـَدمُ
ولو أنّ الشاعرَ أرّخَ لقصيدته هذه لأضافَ كثيراً من الإضاءات عليها، وعلى الجو الذي قيلت فيه، كما لا ينسى الشاعر همومَ أمته في فلسطين وحريقَ المسجد الأقصى، ومعركة القسطل وبطلـَها الشهيد عبد القادر الحسيني، ويقفُ في مكة أمام الكعبة المشرفة وقفة حُب وخشوع وتأمل، تدلل على عمق إيمانه.
ثم يُجري مقارنة جميلة وحقيقية بين قطعتين عزيزتين من وطنه الكبير، وهما: دمشق الفيحاء والأحساء، وهذا دليلُ عُمق انتمائه لأمته ووطنه العربي من المحيط إلى الخليج، يقول:
أدمشقُ يا أغلى قصيــدي يا نغمة النهَوَنـْـدِ في أوتار عُودي
إنـــّــــي أتيـتـُك والشبـابُ يجــــفّ فــــي أليــــاف عـــودي فشعرتُ أني في روابــي الشـــــــام أولـــــدُ مــِـنْ جـديـــــدِ
وطني شبيهكِ في الجمال وفــــي الجــــلال وفـــي الخلـــودِ
لكنه الحظ التعيس مُنِي به ومُنيــــــتِ بـــــالحظ السعيــــــــدِ
فمشيتِ في رَكــْـبِ الحياةِ ومشيــــتُ فـــي ركـــب الجمـــودِ
من قصيدة: " بين دمشق والأحساء "
وماذا بعد؟ هذا هو الشاعر أحمد راشد المبارك رحمه الله، شاعرٌ مطبوع، أبرز ما يميزه عواطفه الإنسانية، وشفافيته وصدقه، وبُعْده عن النفاق، ونضجه الفني، وحسّه اللغوي، امتلكَ ناصية البيان والأوزان، فغردتْ على لسانه القصائد، كما تغردُ الطيورُ في الفجر الجديد، وتضوعتْ منها المعاني السامية، كما يتضوع العبير من أكمام الزهر في الروض النضير.
الدكتور محمد الجاغوب:
ديوان الصدَى الضائع - أحمد راشد المبارك
بقلم د. محمد الجاغوب
منذ اللحظة التي بدأتُ أُجيلُ فيها النظر في ديوان الشاعر أحمد راشد المبارك تبيّنتُ أنني أمام موهبة عظيمة، يتمتع صاحبُها بشاعرية فذة وشفافية عالية من الحسّ المرهَف والموهبة الفطرية، وأنه تحرِّكه في كل قصائده عاطفة إنسانية صادقة ومتوقدة، لا يخالطها تكلفٌ ولا رياء، وأنه يمتلك كفاية وحِساً لغوياً، مكّناهُ من صَوغ قصائده بعبارة رصينة وألفاظ منتقاة، في إطار الشعر العمودي والأوزان العروضية المعروفة، وإنْ كان يميل إلى شيء من التجديد من خلال التنويع في القافية أحياناً. وما قصائد هذا الديوان إلاّ دليل صادق على كل تلك الملَكات. إنّ المتأملَ لهذا الديوان يستشفّ المحاور الرئيسة التي تناولها الشاعر في قصائده، وهي: الوجداني والإنساني والاجتماعي والوطني، وفوق ذلك محور الطبيعة الذي يتداخل مع المحاور السابقة ولا يمكن فصله عنها، فالمذهب الرومانسي يتجلى بوضوح في العديد من قصائد الديوان، فالشاعر يحب الطبيعة النقية بكل عناصرها، يناجيها ويتغنى بها، ويُسبغ عليها من الصفات الإنسانية، فهي تشاركه أحاسيسَه وشجونه، فالروض يُقلعُ عن التزيّن بالخضرة والشذى والماء والطير.
وجئتُ إلى الروض النضير فراعَني من الروض ذيّاك الأسى والتجهمُ فلا الزهرُ فوّاح ولا الروضُ ناضــرٌ ولا الماءُ سَلسالٌ ولا الطير مُغرَمُ ولا أنــا ذيّـــاك الــــــذي تعــرفينــه كأنـــيَ تمثــــالٌ مُضــــاع مُهــدّمُ " قصيدة اعترافات " وفي بعض القصائد يجد الشاعر المبارك في الخروج إلى الطبيعة حلاً لبعض المشكلات الاجتماعية. في الروض من بغي الورى ملجأ وفيــه للحــُب مقــــــام رحيـــــب " قصيدة من وحي الحرمان " وفي قصيدة " ليلة الميعاد " تصوير دقيق للطبيعة، حيث تقف عاشقة تنتظرُ حبيبَها، ولكنه لا يأتي، يبيّن فيها الشاعر خلجات النفس البشرية وقلقها، من خلال تخمين تلك العاشقة للأسباب التي حالت دون قدوم حبيبها.
وشاعرنا كثيراً ما يرى جمال المحبوب في جمال الطبيعة، بل إنّ جمال الطبيعة بعضٌ مما فاضتْ به عينا المحبوبة. الشِعرُ ما يحوي حديـثـُك رائعـــاً والسحــرُ مــا قـذفتْ بـه عيناكِ وأرى خيالاً في الطبيعـة فاتنــاً فأحسّ في قلبـي دبيبَ خطـــاكِ وأرى صفاءَ النهر بين ضفافـه فأحسّ في قلبــي جمــال صِفاكِ " قصيدة همسات " هكذا هي الطبيعة بعناصرها المختلفة موجودة في شعر شاعرنا، وتتمازج أطيافها مع طيف المرأة؛ فهو مُغرم بهما معاً، ويقارن بين جماليهما، ويبث شكواه لهما، وكثيراً ما تتدفق عواطفه قوية في المجال الوجداني عندما يصوّر خلجات المحب، ويتغنى بجمال المحبوب في نسيب رقيق، يظهر في قصائد: انتظار، من وحي الحرمان، اعترافات، حلم، نجوى، اذكريني، في الهيكل وهمسات. ومع ذلك، فشاعرنا أحمد المبارك إنسان قبل كل شيء، فهو يبدع في تصوير النفس البشرية بكل أبعادها ونوازعها وهواجسها وتجلياتها، فهو يتنقل بين التفاؤل والتشاؤم، فعندما يكون متفائلاً يرى الروضَ نضيراً والطيرَ مُغرداً، والغصنَ غضاً والماءَ رقراقاً، وعندما يكون حزيناً تلفـُه نزعة تشاؤمية، تجعله يضيق ذرعاً بهجر المحبوب، فيُحمِّله مسؤولية ما يعانيه من تباريح الهوى، وهذا ما يبدو في قصائد: أصداء النفس، كيف أسلو، إلى قلبي، صوفية الحب، أين تريد، أين أنّاته، حيث يستبد به القلق، وتنتابه نزعات متناقضة كثيراً ما تكتنف النفس البشرية، فهو يرى القيثارة صامتة، والأوتار والأنغام نائمة، وبِشَغف الإنسان بالبحث عن الحقيقة، يتساءل عن قضية طالما شغلتْ بالَ الإنسان، وهي ما وراء الغيب، يقول في قصيدة " في المعترك ": يا من يزيحُ ستارَ الغيب عن بصري لعلّ قلبي يرى تمثاله السامي لكنّ هذه الحقيقة - كما يقول - دونها سيل العرم. وهو في غمرة البحث عن الحبيب الغائب لم يَعُدْ يرى شيئاً جميلاً. وفي قصيدة " ضراعة " نجده يقول: ماتت الأحلامُ في قلبي وغابت خلفَ ظني وترافقه هذه النزعة التشاؤمية حين يوجّه خطابه إلى " ميّ " ويطلب إليها ألا تنخدع بالصِّبا والشباب، فوراءه شيبٌ وهرمٌ وذبولٌ وصمتٌ وظلام . " قصيدة هذا الختام ". وفي قصيدة " ألحان اليأس " تهاوت أمانيه، ولم يتحقق له في حياته أربٌ ولا وطر. وفي قصيدة " أصداء نفس " يتحدث عن إحباط مشاريعه واغتيال طموحاته، ويصوّر المحبوبة على أنها كل شيء في حياته، وهي رمز مُقدسٌ لديه، إلا أنها برهنتْ له على أنها مُجرد أنثى عادية. الآن أعرفُ في الغرام نهـــايتي وعرفتُ في سوق الهوى إفلاسـي وتحققتْ فيك الظنونُ وطالمــــا كــذّبتُ ظنـــي واتهــمتُ قيـاســي ورجعتِ أنثى في الحقيقة بعدما قــد كـنــتِ عنـدي غايــة الأقـداس ِ
وفي المحور الاجتماعي يعْرف الشاعر المبارك تركيبة مُجتمعه، وطبيعة الناس وهواجسَهم، ويصور في بعض قصائده الأمراض الاجتماعية المتفشية بينهم، مثل: بغي الورى، وانطباع الذل في بعض النفوس، ويرى أنّ الطهارة من كل هذه الأدران تكمن في الخروج إلى الروض. وفي المحور ذاته يُحسن التعامل مع أبناء مُجتمعه، فهو يشاركهم حياتهم، ويداعبهم في بعض قصائده، مثل: قصيــدة: " الشنب " التي يصور فيها بعض العادات بروح الفكاهة والدعابة. وهو يحب أبناءَ مجتمعه، ويعز عليه فقدان أحدهم، وتجلى ذلك واضحاً في مراثيه للعديد منهم، وهو يقف وقفة وفاء لأناس اختطفتهم يد المنون، فنراه مذهولاً هو والآخرين، لا يملك غير الدموع وطلب الرحمة لهم، وهو في مراثيه يتدفق كالنهر، وكأنّ الموتَ يحركُ كوامنَ نفسه؛ فتنهلّ دموعُه سخية سخينة، يظهر ذلك في رثائه لكل من الشيخ إبراهيم ، والشيخ العلامة عبد العزيز المبارك.
وللوطن في قلب الشاعر أحمد المبارك مساحة واسعة، فهو يحبُ وطنـَه العربي الكبير، ويصورُ المخاطرَ التي تتهددُه، ففي قصيدة " شُلتْ يدُ البغي " تتجلى الروح القومية والعربية الأصيلة عند حديثه عن مصر والشام ودار السلام، ثم يذكر بعض الطامعين في هذا الوطن، مثل: ديان و شارون والفرس وبغاث الطير والرّخم، وهو يهرع إلى التاريخ يناجي القادسية، ويهيبُ بسعد بن أبي وقاص أن يعيدَ لنا قادسية جديدة، ثم يُحذرُ أبناءَ قومه من مغبة طلب العون من الباغي، فالباغي لا يفي بعهده، ولا يهمُه إلا تأمين مصالحه، يقول: إنّ هذا الباغي يعيث في أوطاننا سُكـْراً وعربدة، وفوق ذلك ندفع له الثمن من أموالنا. وللأعــادي على الأوطــان عَربدة ٌ والخمْرُ من كرْمِنا والكأسُ والخـَدمُ ولو أنّ الشاعرَ أرّخَ لقصيدته هذه لأضافَ كثيراً من الإضاءات عليها، وعلى الجو الذي قيلت فيه، كما لا ينسى الشاعر همومَ أمته في فلسطين وحريقَ المسجد الأقصى، ومعركة القسطل وبطلـَها الشهيد عبد القادر الحسيني، ويقفُ في مكة أمام الكعبة المشرفة وقفة حُب وخشوع وتأمل، تدلل على عمق إيمانه. ثم يُجري مقارنة جميلة وحقيقية بين قطعتين عزيزتين من وطنه الكبير، وهما: دمشق الفيحاء والأحساء، وهذا دليلُ عُمق انتمائه لأمته ووطنه العربي من المحيط إلى الخليج، يقول:أدمشقُ يا أغلى قصيــدي يا نغمة النهَوَنـْـدِ في أوتار عُودي إنـــّــــي أتيـتـُك والشبـابُ يجــــفّ فــــي أليــــاف عـــودي فشعرتُ أني في روابــي الشـــــــام أولـــــدُ مــِـنْ جـديـــــدِوطني شبيهكِ في الجمال وفــــي الجــــلال وفـــي الخلـــودِ لكنه الحظ التعيس مُنِي به ومُنيــــــتِ بـــــالحظ السعيــــــــدِ فمشيتِ في رَكــْـبِ الحياةِ ومشيــــتُ فـــي ركـــب الجمـــودِ من قصيدة: " بين دمشق والأحساء " وماذا بعد؟ هذا هو الشاعر أحمد راشد المبارك رحمه الله، شاعرٌ مطبوع، أبرز ما يميزه عواطفه الإنسانية، وشفافيته وصدقه، وبُعْده عن النفاق، ونضجه الفني، وحسّه اللغوي، امتلكَ ناصية البيان والأوزان، فغردتْ على لسانه القصائد، كما تغردُ الطيورُ في الفجر الجديد، وتضوعتْ منها المعاني السامية، كما يتضوع العبير من أكمام الزهر في الروض النضير.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)