الأحد، 21 نوفمبر 2010

جذور الأغنية اليمنية في أعماق الخليج العربي


جذور الأغنية اليمنية في أعماق الخليج العربي [1]

بقلم د. محمد الجاغوب

             عندما أطلعني الأخ الدكتور خالد بن محمد القاسمي على دراسته المهمّة والمُعنونة: " جذور الأغنية اليمنية في أعماق الخليج " شعرتُ أنّ يدي قد وقعت على كنز ثمين، لأن عنوانها توفرت فيه عناصر جذب متعددة، فالأغنية عَمَلٌ ومَنشط إنساني يُعبّر فيه المرءُ عن مشاعره ويترجم أحاسيسَه، ويستعين به على مقاومة الضجر والهموم.  كما أنّ الجغرافية التي اختارها الأخ الباحث تمثل جزءاً عزيزاً من وطننا العربي الكبير، بينما نجِد كلمة الجذورتعطي بُعداً تاريخياً للدراسة، فالجذور ترمز إلى القِدم والأصالة والتراثية. والعَربُ حيثما وُجدوا يحتفظون بين جوانحهم بوُدٍّ وانتماء قديم يشدهم إلى شبه الجزيرة العربية موطِنهم الأول.

             لقد بدأتُ الاطلاع على هذه الدراسة قارئاً مُتأمّلاً مُتعمقاً ومُستمتعاً، فوجدتُ نفسي أمام كمٍ كبير من المعلومات حول الأغنية اليمنية ومؤلفيها، والتي ربطها الباحث بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي قيلت فيها. واستطعت بهذا الكم أنْ أثري ما أمتلكه من ثقافة سابقة حول الأغنية اليمنية كانت قد تكونتْ لديّ في الستينيات من القرن العشرين، عندما كنت أستظل بمظلة راديو (صوت العرب)  من القاهرة، الذي كان يُذيع الكثير من الأغاني اليمنية ولا سيما الوطنية منها، إضافة إلى التعبئة المعنوية التي كان يقوم بها في لفت أنظار العرب إلى الإنجاز الكبير المتمثل في ثورة سبتمبر على الظلم والطغيان والرجعية والتخلف، وثورة الجنوب اليمني على المستعمر البريطاني. تذكرتُ تلك الحقبة بأحداثها وشخوصها وأغانيها التي كانت تؤجج مشاعرنا مثل : (نحنُ فِداك يا صَنعا) و (شرارة من ردفان) و (أنا الشعب صوت انفجار الدهور) و (برّع يا استعمار).  وتذكرت كذلك أصواتاً غنائية عربية مماثلة، كانت تنطلق من القاهرة مثل  (إحنا ما بينّا وبينك ثار يا استعمار)  و (أهلاً بالمجد وبالكرم وبالفتية من خير الأمم) وأصواتاً تنطلق من الشام مثل: (لبيك يا علم العروبة كلنا نفدي الحمى)
وجاءت هذه الدراسة لتشدني بقوة إلى تلك المرحلة من حياة أمتنا، وتثري ذاكرتي بهذا الزخم من المعلومات حول الأغنية اليمنية وأثرها في غناء منطقة الخليج العربي. وتنبع أهميتها من:

-      إيرادها لحَشدٍ كبير من أئمة الفن من الشعراء وكتاب الأغنية والمُلحنين والمُطربين الذين يَصدرون في فنـّهم عن عواطفهم الإنسانية وعن نبض مجتمعهم وأمتهم وعروبتهم، أمثال: أبو بكر سالم ومحمد مرشد ناجي ومحمد محسن عطروش وعبدالله هادي سبيت ولطفي جعفر أمان وأحمد قاسم وأحمد السنيدار ومحمد الجيّار واسكندر ثابت وعبدالله نعمان وأيوب طارش ويحيى عمر وفرسان خليفة ومحمد صالح عزّاني وحسين أبو بكر المحضار وحَدّاد بن حسن.

-   تقسيم الدراسة للأغنية اليمنية من حيث موطنها إلى: أغنية صنعانية ولحجية ويافعية ودان ٍ حَضرمي، وتقسيمها من حيث المناسبات إلى أغان ٍ للطرب وأغان للسِلم والحَرب، وأغان ٍ للحياة والموت وأغانٍ للثورة، كذلك التفصيل في أنواع الرَقـَصات المصاحبة مثل: رقصة الزريادي ورقصة الكاسر ورقصة البرّع ورقصة العدة ورقصة الطاسة ورقصة الزفان وغيرها، هذه التقسيمات وهذه التفصيلات تتيح الفرصة للمقارنة بين لون وآخر.

-   تتبّعها الدقيق لتطوّر الأغنية اليمنية من أغنية شعبية بسيطة إلى أغنية وطنية وقومية وإنسانية تحملُ رسالة سامية، وتلعبُ دوراً بارزاً في حياة الأمة وتقرير مصيرها، وردّة فِعل المستعمرين عليها حيث هاجموها وحاصروها وفتـّوا في عَضُدها؛ لأنهم رأوا فيها عاملاً توعَوياً للجماهير وتحريضياً ضدّ وجودهم.

-      إيرادها لذكر عَدد من الآلات الموسيقية المُستخدمة في الغناء اليمني مثل: المدروف والهاجر والطاسات النحاسية والمراويس والقنبوس وغيرها.

-   تطرّق الدراسة إلى الروافد الثقافية التي أسهمت في نشأة الألحان والموسيقا الشعبية في اليمن، وتأثرها بالألحان العربية الموروثة وبالإيقاعات الإفريقية والهندية.

-   ربْط الباحث الأغنية اليمنية بالأغنية العربية عموماً جَعلَ لها امتداداً طبيعياً في الخليج العربي والعراق والشام ومصر.

-   تعزيز الدراسة بالجداول التي توضح كيفية أداء الأغنية، وجداول النوتات الموسيقية، والجداول التي تبين أسماء عدد من الأغاني وأسماء مؤلفيها والمُغنين الذين أدّوها في اليمن، وأمثالهم الذين أدّوها في منطقة الخليج العربي

-   إشارةُ الدراسةِ بإصبع الاتهام لعَددٍ من المُغنين في منطقة الخليج العربي لانتحالهم بعضَ الأغاني اليمنية وتحريف كلماتها ونِسبتها لأنفسهم، ومُطالبة الباحث بمعاقبتهم.

-   تسليطها الضوء على أنواع مُعَيّنة من الغناء كأغاني البحر، ومواسم الغوص ومواقيتها مثل: أغاني (البسّة) التي يؤديها النّهام عند رفع الشراع، وأغاني (فن الجيب عند جَرّ المجداف) وأغاني (الهولو) التي تؤدَى عند مواسم العَودة.

-   تسليطها الضوء على العلاقة الوثيقة بين عَرب سواحل الخليج وعَرب السواحل اليمنية التي تمثلتْ في تجارة بحرية نشطة كانت ترافقها علاقات اجتماعية وثقافية بين الجانبين، أدّت إلى التأثر والتأثير، واعتبار اليمن عُمقاً تاريخياً وجغرافياً واستراتيجياً لسواحل المجد في الخليج العربي. 

-   تصويرها لرهافة الحِسّ القومي لدى عَرب اليمن والخليج وتفاعلهم مع القضايا العربية كما ظهر في أغانيهم لفلسطين ولبنان وأوراس والنيل والسودان وليبيا والعراق والحجاز، وتصويرها لعدائهم الشرس للاستعمار والرجعية.

-      اختيار الدراسة لواحد من أعلام الفن الغنائي اليمني وهو الفنان الكبير أبو بكر سالم بلفقيه، والتفصيل في سيرته ومساهماته في نشر الأغنية اليمنية، والتفاعل مع المناسبات الوطنية والقومية للعرب كافة.

-      لم تـُغفل الدراسة الحديثَ عن دور المرأة في الغناء اليمني ولا سيما في حضرموت.
      
             إنّ هذه الدراسة الفلكلورية للأغنية اليمنية تعكس جهوداً كبيرة بذلـَها الباحث خالد بن محمد القاسمي في الاطلاع والتمحيص والجمع والتصنيف والتعليق والتوثيق، وتدلّ بوضوح على ثقافته الثرّة والمُنوّعة، وروحه العربية الأصيلة. كما أنها تشير إلى الموضوعية والأمانة العلمية التي يتحلى بها كباحث ومؤرخ. وإنني أقدّرُ للباحث جهودَه، وأشاطره مشاعرَه الصادقة تجاه وطننا وأمتنا. فاليَمنُ السعيد يَمنـُنا، وجزيرة العرب مَهدُنا ومهوى أفئدتنا، على ثراها تغنى شعراؤنا، وصالَ فرسانـُنا وسُجلتْ ملاحِمُنا ووقائعُنا وأيامنا، قبل أن تكون الحدود المصطنعة بين أقطارنا.




[1] دراسة أعدها الدكتور خالد بن محمد القاسمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق