الموقف العربي مِن ملف إيران النووي يفضحُه (ويكليكس)
مقالة بقلم الدكتور محمد الجاغوب
مرة أخرى يلعبُ العربُ (الأبرار) الدورَ ذاته مع إيران، كما لعبوه مِن قبلُ مع العراق، إنه لأمر طبيعي أنْ تعارضَ الولاياتُ المتحدة الأمريكية إيران، وترفض مشروعها النووي، تمشّياً مع سياستها في ضمان أمن إسرائيل، فهي فعلتْ وتفعلُ ما يحلو لها لتحقيق ذلك، حتى لو أنها أبادت شعوباً أو أسقطت دُولاً، وهذا واضحٌ تمام الوضوح من خلال قراءة سياساتها تجاه فلسطين وشعبها.
وها هُم العربُ ( الأبرار ) يلومون اليوم إيران ويُعلـّمون قادتها دروساً في الاعتدال ويطالبونها بالتخلي عن برنامجها النووي، حفاظاً على سلامة البيئة ونظافتها، ويُلوّحون بتأييد مَوقف الغرب المطالب بإحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن، وإذا ما تم ذلك سيطالبونها بالتعاون الكامل مع ذلك المجلس، ومِن ثمّ السماح لفرق التفتيش باستباحة أراضيها بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل.
لقد فعلوا ذلك مع العراق ولاموا قيادته، وحَرّضوا عليه مجلس الأمن الدولي، إلى أنْ أصدرَ قراراتِه الظالمة بحقه، ثم طالبوه بالتعاون الكامل مع فِرق التفتيش وتسهيل مهامها، ولما حوصر العراق كانوا أوّلَ المتطوّعين لتطبيق ذلك الحصار، ثم سهّلوا للعدوان سُبُله إلى أنْ سَقط َ العراقُ في قبضة الاحتلال وسَقطتْ قيادتـُه، تلك القيادة التي أثبتتْ الأيام والأحداث بألف دليل ودليل على وفائها لوطنها وأمّتِها، وعلى صِدق انتمائها لعروبتها وثباتها على مبادئها رغم أنف القيود والأغلال، ورغم أنف المحاكم الظالمة.
إنّ حقَ التسلح حَقٌ مشروع لكل الشعوب والأمم، من أجل الدفاع عن نفسها وعن هويتها وأوطانها ضد برابرة العصر، وليس التسلح بكل أنواع الأسلحة حِكراً على أمّة دون غيرها، فهل السلاحُ النووي في يد العرب والمسلمين يكون سلاحَ دمار شامل ٍ يُلوّث البيئة ويقتل الحياة ويُهددُ السِلم العالمي؟! وهل هذا السلاح عندما تزخر به الترسانة الإسرائيلية لا يُهددُ السِلم العالمي ولا يُلوث البيئة؟! سؤالٌ يطرح نفسَه على فلاسفة العرب (الأبرار) الذين يُدلون بالتصريحات ويُرتلون ما يكتب لهم، ويُردّدون ما تقوله آلة الإعلام الأمريكية والإسرائيلية، بل ويُلحّون على ضرب إيران.
ورغم أنّ السلاح النووي سواء أكان في يد العرب أم في يد العَجَم فإنه لن يُستخدم يوما ًما ضد إسرائيل، فالباكستان تعدُّ دولة إسلامية وتمتلك سلاحًا نوويًّا، إلا أنّ سلاحَها منذ سنين ظلّ سلاحاً باكستانياً، ولن يكون ذات يوم سلاحاً نووياً إسلامياً، ولن يُوظـّف للدفاع عن القضايا الإسلامية، رغم أنّ حاملي المشروع الإسلامي تباهَوا به كثيراً، وصفقوا له حينما أعلنَ عنه، وأصحاب الرايات الإسلامية الخفاقة يعلمون جيدا أن المشروع النووي الباكستاني ما كان له أن يرى النور لو لم توافق عليه الولايات المتحدة، حيث أنها أي الولايات المتحدة كانت تهدف من بين ما تهدف إليه هو نزع فتيل التوتر في شبه القارة الهندية عن طريق إحداث توازن الرعب بين الدولتين الجارتين باكستان والهند، وهما صديقتان مُهمتان في الحسابات الأمريكية.
إنّ أحداً لا يدري إنْ كان قادة العَجَم سيرهبون التهديد أو يَفتّ في عَضُدهم لومُ ذوي القربى؛ فيذعنون لإملاءات مجلس الأمن الدولي، ويتخلون عن مشروعهم النووي، أو يُسلـّمون ما بحوزتهم طواعية كما فعل غيرهم، أم أنهم سيصمُدون على مبادئهم ويُدافعون عن حَقهم، سؤالٌ تجيب عنه الأيام .!
لقد أثبتتْ الأيامُ وتعاقبُ الأحداث أنّ أسلحة الدمار الشامل العراقية أكذوبة افتعلها الأمريكيون، وصَدّقها أتباعُهم وأشياعُهم في المنطقة العربية والعالـَم، وتلقفتـْها آلتـُهم الإعلامية وراحت تـُروّجُ لها، والهدف كان استباحة العراق ونهبَ ثرواته وإذلال أبنائه، ولم تفلح فِرقُ (إيكيوس ) ولا( باتلر) ولا غيرها في الكشف عن تلك الأسلحة المزعومة.
فما بالُ أولئك العرب الأبرار يركبون المركبَ ذاتـَه ، ويلعبون اللعبة َ نفسَها مع إيران، ويُسارعون إلى ترديد ما تقوله الولايات المتحدة، وينسَون ما تمتلكه إسرائيلُ من أسلحة الدمار الشامل، ويَغضّون أبصارَهم بلْ وتعمى بصائرُهم عمّا يُشكله مُفاعل (ديمونة) الإسرائيلي مِن خطر بيئي يطالُ الأرضَ العربية القريبة والبعيدة على السواء، ويُسبّبُ الأمراضَ القاتلة التي لا ينجو منها مَن يَعتقدون أنـّهم بعيدون عنها.
بأي مكيال يكيلُ هؤلاء العرب، فهل نسَوا أم تناسَوا أسلحة الدمار التي استخدَمتـْها الولايات المتحدة الأمريكية في ضرب العراق! وتسَرّبتْ إشعاعاتها فأصابت جيرانَ العراق، لا شك أنهم يذكرون ذلك جيداً، ولكنهم يَجبُنون عن ذِكره والمُجاهرةِ به، ويَسعدون باعتقادِهم أنَ الجماهير العربية ما زالت لا تعرف الحقيقة، ويتجاهلون المثل القائل: إنـّكَ لا تستطيع أنْ تخدعَ كلّ الناس كلّ الوقت، وإنّ غداً لناظره قريب، فها هُو موقع (ويكليكس) بدأ بنشر سَيل من الفضائح التي تطالُ دُولا عربية وشخصياتٍ عربية مرموقة، تلك الدول وتلك الشخصيات لم تكن تتوقع افتضاحَ أمرها في يوم من الأيام، وظنّت أنها مانعتـُها حُصونـُها، وهذه الشخصيات تتظاهر اليوم باللامبالاة حيال ما ينشر، لكنها في الواقع ذاتِه تتحرّق خوفا وحَرَجا، وراحت تعتبُ على الأصدقاء الأمريكيين الذين لا يَحفظون الودّ مثلما أنهم لايُحافظون على سِرية الوثائق.