السبت، 2 أبريل 2011

ترويج إعلامي لتوريث الحُـكم


إنَّ مِن الشِعــر ِ لـَحِكمة
ترويج إعلامي لتوريث الحُكم
بقلم  د. محمد الجاغوب

إلـيكَ أمـيرَ المؤمنينَ رحَلتـُها تثـيرُ القـطا ليلا وهـُنّ هُجودُ
على الطائر المَيمون والجَدّ صاعدٌ لكلّ أناس ٍ طائرٌ وجُدودُ
إذا الـمِـنبرُ الغـربيُ خلـّى مكانـَه فإنّ أمـيرَ المؤمنين يــزيـدُ

الأبيات السابقة للشاعر العربي الأموي مسكين الدارمي واسمه ربيعة بن عامر بن أنيف من بني دارم، ومسكين لقبه، يقول:  وسُمّيتُ مسكينا وكانت لجاجةً وإني لمسكين إلى الله راغبُ. والأبيات كتبها مسكين وأرسلها لأمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان، واستهلـّها بقوله: لقد توجّهتُ إليك ليلا على راحلتي التي أقلقَ سَيرُها طيورَ القطا فأثارتهنّ وأفزعَتهنّ وهنّ نيام. وفي البيت الثاني إشارة إلى أنّ من عادة العرب التطيّر، أي يزجرون الطير يحبسونها وعندما يُزمعون السفر يُطلقونها ويرقبون وجهتها، فإن توجهتْ في طيرانها يمينًا تيمّنوا وتفاءلوا بالتوفيق في سفرهم، وإن اتجهتْ شمالا تشاءموا وعدلوا عن السفر. وفي هذا البيت تصريحٌ بأنّ الطيرَ ميمونٌ والحظوظ صاعدة واعدة، والناس لكل منهم طائر يتيمّنُ به وينظـُر حُظوظه فيه. وفي البيت الثالث وهو بيت القصيد يُعلنُ الشاعر أنّ المنبرَ الغربيّ ويقصد به سُدّة الحكم ومقر الخلافة في دمشق إذا خلا من أمير المؤمنين معاوية فإنّ أمرَ الخلافة سيؤولُ إلى ابنه يزيد بن معاوية دون نقاش.

وسواء كانت هذه أفكارَ الشاعر أم كانت إيحاءاتٍ من معاوية نفسِه فإنها تشكل خروجًا على سُنة الشورى التي انتهجها المسلمون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث انتقلت الخلافة بين الخلفاء الراشدين قبل معاوية بالشورى والتوافق والاصطلاح على أصلح الناس لهذا الأمر. وبالفعل قبْلَ أن يقضيَ معاوية نَحبَه كان قد ضمن الحكم لنجله يزيد بن معاوية، ويزيد قبل وفاته ضَمِنها لابنه معاوية الثاني، وبعد وفاة معاوية الثاني خرجت الخلافة من بني صخر بن حرب إلى بني مروان بدءًا من مروان بن الحكم فابنه عبد الملك ومن عبد الملك لابنه الوليد.

 وهكذا سارت الوراثة في الحُكم العربي الإسلامي إلى يومنا هذا، حيث تقوم في العالم العربي ممالك وإمارات ومَشيخات وسُلطات وسَلطنات وجُمهوريات وجَماهيريات تختلف فيها التسمية ويتفق فيها المضمون ويتوارث حُكمَها الأبناءُ عن الآباء. ويقوم الإعلام المعاصر بوسائله المختلفة بدور التهيئة والتمهيد لتوريث الحكم بعيدا عن الأساليب الديمقراطية المتبعة في العالم المتحضّر والتي تقوم على تداول السلطة بالانتخاب الحُرّ والنزيه والمحكوم بقوانين ومعايير ومُدَدٍ زمنية لا يجوز تجاوزها. وبالعودة للأبيات السابقة يمكن الاستنتاج بأن زُمَر الإعلاميين المنافقين والوصوليين الذين يتولـَوْن وسائلَ إعلامِنا المَعاصِرة ينهجون نهجَ الشاعر مسكين الدارمي في الأفكار والغايات ولا يختلفون عنه سوى في الأدوات.                      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق