من يتتبع تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية يلاحظ أنّ أمريكا كانت تقف إلى جانب الأنظمة الحاكمة الموالية لها، وترسل قواتها لتحارب الشعوب الثائرة على تلك الأنظمة، وهذا ماحدث فعلا حينما حاربت القوات الأمريكية إلى جانب الجنرال (ثيو) الفيتانامي الجنوبي ضد ثوار الفيتكونغ، وعندما حاربت إلى جانب الرئيس (سيموزا) ضد ثوار الحركة الساندنستية في نيكاراغوا وما يمكن أن تفعله مستقبلا لحماية أنظمة أصدقائها في فرموزا وفي سيؤول. أمّا أن ترسل أمريكا بطائراتها وضباط استخباراتها لتحارب إلى جانب الشعوب الثائرة ضد حكامها فهذا أمرٌ مُستغرَب! لقد حاربت أمريكا لأجل الشعب الكويتي و حاربت لأجل الشعب العراقي وعدوّها في الحالين هو الرئيس صدام حسين رئيس جمهورية العراق الذي حاكمته وأعدمته. وحاربت إلى جانب شعوب البوسنة والهرسك وكرواتيا والجبل الأسود وكوسوفو ضد نظام حكم ميلوسوفتش رئيس الاتحاد اليوغسلافي، وها هي تحارب الآن إلى جانب المعارضة الليبية وفي صفوفها ضد حكم العقيد معمر القذافي، وتتأهب لتدسّ أنفها في سورية لتحارب في صفوف المعارضة السورية ضد حكم الرئيس بشار الأسد. ولكنّ الأمر الملفت للنظر أنها تبرّأتْ من ثورة الشعب البحراني وتجاهلتها وأيّدت قمعها بقوة. والملفت للنظر أيضا أنها لم تقتنع يوما بثورة الشعب الفلسطيني ولم تقف إلى جانبها بل وحاربتها بشراسة إكراما لعين الدولة الإسرائيلية. وفي حالتين مماثلتين كان الموقف الأمريكي مغايرا أيضا، فعندما ثار الشعب الإيراني ضد نظام حكم الشاه محمد رضا بهلوي تبرأت منه الإدارة الأمريكية وتخلت عنه رغم كونه رجلها القوي وشرطيها وراعي مصالحها في منطقة الخليج العربي؛ فسقط نظامُ حُكمِه. والحالة الثانية عندما تخلت عن صديقها حسني مبارك وتركته يسقط تحت أقدام ثوار 25 يناير في ميدان التحرير. ربما يقول قائل: إنّ أمريكا أخطأت في حساباتها تجاه ثورة الشعب الإيراني الخمينية ولم يخطر ببالها أن تلك الثورة ستمرّغ أنف الأمريكيين باقتحام سفارتهم في طهران واحتجاز موظفيها مدة 444 يوما. وربما ظنت أنها تستطيع استبدال صديقها حسني مبارك بأحد عملائها الجدد ممن تنطلي أوراقهم على الناس، على غرار استبدالها لأنور السادت بحسني مبارك في أكتوبر 1981م. ولما اكتشف دهاة السياسة الأمريكية وأساطينها أن الثورات الشعبية في تونس ومصر هي ثورات وطنية حرة وأنها لا تنخدع بمعسول الكلام الأمريكي وأنّ عدواها قد تنتقل إلى دول عربية أخرى أدركت أمريكا خطورة الوضع في الوطن العربي وأنها إن لم تقم بسرقة الثورات العربية القادمة فستظهر في العواصم العربية أنظمة حكم وطنية تعادي أمريكا وربما تهدد أمن حليفتها إسرائيل؛ لذلك سارعتْ لتندس في صفوف المعارضين الليبيين، وتتأهب لتندس في صفوف المعارضين السوريين مستخدمة إعلامها وإعلام أتباعها من العرب للتحريض وتهيئة الأجواء الدموية لتدخل أمريكي تحت ذريعة حقوق الإنسان وحماية المدنيين. لكن المراقب المحايد للأحداث يحق له أن يتساءل ببراءة: ماذا يُسمّى الذين يُحارب الأمريكيون في صفوفهم ومن أجلهم؟َََ!! وماذا يُسمّى الذين تـُحاربهم أمريكا وترفعهم على أعواد المشانق؟!!! ربما يقول قائل: إن أمريكا تكيل بألف مكيال وأنّ هذا الكيل ليس اعتباطيا أو مزاجيا بل إنه يتماهى مع المذهب الفلسفي البراغماتي الذرائعي الشائع في أمريكا، وهو مذهب يُشجع تبرير المواقف بذريعة أنها تأتي بالمنفعة، وهو ما يخدم المصالح الأمريكية حيثما وجدت، فإذا كانت مصلحة أمريكا مع الشعوب فإنها تحارب في صفوف الشعوب، وإذا كانت مصالحها تستتبُ مع الأنظمة فإنها تحارب في صفوف الأنظمة ودفاعا عنها كما فعلتْ بوقوفها إلى جانب نظام سكاشفيلي في جورجيا السوفييتية ووقوفها الحالي إلى جانب نظام حامد قرضاي في بلاد الأفغان. ناهيك عن وقوفها المتواصل والداعم لسياسات إسرائيل العدوانية والتوسعية، لأنها ترى في إسرائيل نظاما ديمقراطيا حقيقيا وحيدا يضمن مصالحها في المنطقة العربية؛ فلماذا تناصر الفلسطينيين إذن؟! وهم حركة تحرر وطنية شريفة تؤمن بوحدة الوطن العربي وتناضل من أجل تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي
د. محمد الجاغوب
د. محمد الجاغوب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق