الخميس، 22 مارس 2012

تذوّق جماليّات النص الأدبي - د. محمد الجاغوب



 
يُعرّف التذوّق الأدبي على أنه نشاط إيجابي ناجم عن تأثّر القارئ بالنواحي الجمالية والفنية للنص الذي يقرؤه ويتفاعل معه تفاعلا عقليا ووجدانيا ويقدره ويحكم عليه، بعد أن يكون قد أجال نظره فيه وركّز انتباهه عليه. ويمكن تنميته بدراسة أجواء النص، وظروف قائله النفسية والاجتماعية وإعادة قراءته، والنظر إليه نظرة شمولية، والموازنة بينه وبين نصوص أخرى مماثلة له.
ويُمثل التذوّق نتاجا من نتاجات تعلّم اللغة، ولا يتحقق إلاّ مع تمكّن القارئ من استيعاب النص الأدبي وفهمه، وتفاعله معه تفاعلا عقليا ووجدانيا، وهو مرتبط بالحاجات الجمالية التذوقية التي تحتلّ مكانة رفيعة في قمة هرم (ماسلو)، كما أنه يُعدّ أداةً تُمكّن القارئ من الوقوف على مواطن الجمال الفني في النظم، و تلمُّس الإبداع فيه، وليس غريبا التركيزُ على العناية باختيار النصوص الأدبية التي تُقدّم للطلبة من أجل تنمية مهارات التذوق الأدبي لديهم.
        يشترك كلّ من المعلم والنص الأدبي في صقل هذا الاستعداد لدى الطالب، من أجل تطويره وإيصاله إلى درجة معقولة من الدقة والدربة؛ فالغرف الصفية تُعدّ مكانا متميّزا للارتقاء بعمليّات التذوق الأدبي والإبداع الفني لدى الطلبة، إذا توفر لديهم معلم حاذق يعمل على تزويدهم بنماذج أدبية مُنوّعة تتناسب ومتطلباتهم النمائية، ويستخدم في تعليمهم طرائق تُتيح لهم التفاعل مع النص.
          والنصوص الأدبية الجميلة كالقصيدة والمقالة والخاطرة والخطبة تبعث في نفوس الطلبة المتعة والارتياح، وتُدرّبهم على حسن الأداء. وكثيرٌ من النصوص الأدبية يتجّلى جمالها، ويأتلقُ إشراقها إذا ما نفذ القارئ بها إلى ما يكمن وراء الكلمات من إيحاءات وظلال شحنت بها تلك الألفاظ عبر تاريخها الطويل. واهتمّ الباحثون بمهارات التذوّق الأدبي واعتبروا أنّ تنميتها لدى الطلبة مطلب مِن مطالب العصر. ووضع بعضهم المقاييس لتلك المهارات.
إنّ تدريس البلاغة بمعزل عن النصوص الأدبية، وبأمثلة متفرّقة وبعيدة عن سياقاتها يجعل درس البلاغة جافا، ويحرم الطلبة من ممارسة التطبيق العملي على المسائل البلاغية، ويحدّ من تنمية مهارات التذوّق الأدبي لديهم. واقتصارَ بعض المعلمين والدارسين على تحديد ما في النص الأدبي من قضايا بلاغية كالتشبيهات والاستعارات والكنايات ليس كافياً لتنمية مهارات التذوق الأدبي، لأنه لا يبحث في العلاقات، ولا يتعامل مع الصورة الكلية، ولا يفاضل بين الكلمات والصياغات والصور، ولا يكشف أسرار الجمال فيها، ولا يستوحي ما تبعثه في النفس من تأثر وانفعال، ولا يثير التساؤلات حول استخدام الأديب للفظة معينة دون أخرى، ولا يصل القارئَ بما تفيض به نفس الأديب من انفعالات وهواجس. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق