الخميس، 9 ديسمبر 2010

الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية

الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية
مقالة بقلم د. محمد الجاغوب

" فأمّا الزبَدُ فيذهبُ جفاءً "، هذا هو شأن الاتفاقية الأمنيّة العراقية الأمريكية التي لا تنْفعُ الناسَ، ووُقعتْ بين طرفين غير متكافئين، أحدهما يحتلّ وطنَ الآخر، والتي تسمى اتفاقا مِن باب تجاوز الأسماء لمُسمّياتها، ولكنها في الحقيقة عبارة عن شرْعنة لبقاء قوّات الاحتلال الأمريكي للعراق العربي لأطول فترة ممكنة، بعيدا عن الإشارة بإصبع الاتهام لتلك القوات على أنها قوات غازية أومعتدية تسببت في خراب وطن بأكمله، ونهب ثرواته، وترهيب شعبه، وزرع بذور الفتنة والشقاق بين شرائحه.
وقد ظنّ مهندسو تلك الاتفاقية وعرّابوها أنّ السبيل إلى تحقيق تلك الشرْعنة هو إقرارها مِن قبل البرلمان والحكومة العراقيّين، وإخراجها إلى الأمة العربية والعالم على أنها اتفاق أمني يحفظ مصالح الفريقين، ولذلك عُرضت عليهما لمناقشتها مناقشة صورية لا تقدم ولا تؤخر في جوهرها، مُتَناسينَ أنّ هاتين المؤسستين لا تتمتعان بشرعية دستورية ولا قانونية؛ فالحكومة العراقية وأقطابُها جاء بهم المحتلُ الأمريكي محمولين على دباباته مِن خارج الوطن، والبرلمان العراقي أفرزه قانون انتخاب وضعه برايمر وسلطات الاحتلال، وبالتالي فإنّ إقرار الاتفاقية مِن قبلهما أمرٌ لا يُلزم العراق ولا الشعب العراقي؛ لأنّ ما بُنيَ على باطل فهو باطل، والغزو الأمريكيُّ للعراق باطل، وقد اعترفَ بذلك الرئيس بوش ذاته في أواخر أيّام عَهده، وما ترتّبَ على ذلك الغزوِ باطل أيضا، وجميع الإجراءات التي قامت بها سلطات الاحتلال مِن تخريب البلد، ونهب ثرواته، وهدم مؤسساته، وتغيير دستوره، وملاحقة قادته السابقين، وحلِّ جيشه الوطني، وتلاعُبٍ بعَلمه، وتزوير هويته العربية كلّ ذلك باطل ، والباطل لا بدَّ له أنْ يزهق وإنْ طالَ المدى.
إنّ الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية لا تعني إلاّ الاحتلال الأمريكي الجاثم فوق تراب العراق؛ لإطالة أمد بقائه فيه، أو لتمكين المحتلّين مِن سَحْبِ قوّاتِهم بشكلٍ مُنظّم مع حِفظ ماء الوجه لهم، كما أنّها تعني أعوانَ ذلك الاحتلال مِن العراقيين؛ لإطالة أمد بقائهم في سدّة الحُكم، وقد يتأثّر بها جيران العراق، ويتفاوتُ تأثرُ أولئك الجيران تبعا لقوّة تأثيرهم في الأحداث، وتبعا لحجم مصالحهم في المنطقة، فالإيرانيون طرف قويّ، ويملكُ بيده أوراقا كثيرة، يمكنه توظيفها ضد الأمريكيين داخل العراق إذا لمْ تلوِّحْ لهم أمريكا بثمنٍ ما، ولرُبّما يكون ذلك الثمن غضّ النظرعن الملف النووي الإيراني مقابل تفاهمات ضمنية.
والأكراد طرفٌ يستقوي بالقوات الأمريكية، ويقبض ثمن تعاونه معها بالانفراد في حُكم شمال العراق، وتولّي بعضَ المناصب الحساسة، كرئاسة الجمهورية، ووزارة الخارجية. والأتراك طرف قويّ أيضا، ويملك نفوذا في العراق، ولكنه لا يوظفه ضد الأمريكيين لاعتبارات تتعلق بعضويّة تركيّة في منظمة حِلف شمال الأطلسي، وأحلامها بالانضمام للمجموعة الأوروبية، مقابل تفاهمات ضمنية أيضا، ثمنها أنْ تغضّ أمريكا نظرَها عن ملاحقة الجيش التركي للمتمردين الأكراد الذين يُهدّدون شرق الأناضول.
أمّا الطرفُ العربيُّ فهو طرَفٌ ضعيف للأسف الشديد، ومُمالئٌ للسياسة الأمريكية منذ اليوم الأول للغزو؛ حيثُ هيّأتْ دولٌ عربية خزائنها لتمويل العدوان، وهيّأت أراضيها لتمريره برا وبحرا وجوا، وسخّرتْ أبواقها الإعلامية للفتّ في عّضُد العراقيين والمزاودة على قيادتهم السابقة، وإسداء النصائح لها بمغادرة العراق حقنا لدماء العراقيين، وهي كلمة حَقٍّ أريدَ بها باطلٌ، بلْ إنّ بعض هذه الدول قطعَتْ شأوا بعيدا في الأريحية والكرم بعرضها استضافة الرئيس صدام حسين على أراضيها، وحتى هذه الاستضافة لا تخفى على أحد بأنها ما كانت لتتمّ إلا بالتنسيق مع الطرف الأمريكي.
إنّ مَن يقرأ التاريخ والجغرافيا جيدا لا يُعجزه أنْ يعرفَ بأنّ العراق يمثلُ البوابة الشرقية للوطن العربي منذ فجر التاريخ، وهو يتمتعُ بارتباط جغرافي عريض مع عمقه العربي، وأنّ راياتِه العربية خفاقة في ذي قار، وخفاقة في قادسية سعد وفي قادسية صدام، وأنّ ساسة العراق منذ أبي جعفر المنصور وهارون الرشيد قد حافظوا على عروبة العراق وإسلامه، فكان أنْ تصدّوا للخائنين والشعوبيين مِن أمثال أبي مسلم الخراساني، وأبي سلمة الخلال، والبرامكة وغيرهم، وواصَلوا حَمْلَ الأمانة في العصر الحديث؛ فتصدوا لقوات الانتداب البريطاني بُعيدَ الحرب العالمية الأولى؛ فكانت ثورة 1920 ، وأسقطوا جميع اتفاقيات الإذلال المبرمة مع بريطانيا، ووضعوا العراق العربي في موضع الصدارة مِن الأحداث، حيث أدّى العراق وجيشه البطلُ دورا مشرِّفا في معارك فلسطين والجولان وقادسية صدام وأم المعارك والحواسم وغيرها، وجعلوا مِن العراق قلعة صناعية واقتصادية وعلمية كبرى.
إنّ هذا العراق العظيم لا يثنيه عن أداء أدواره المشرِّفة سحابة احتلال عابرة، ولا شرذمة مِن الصِّغار الذين اختطفوه وحوّلوا مسارَه إلى حين، فالشعب العراقي الواحد الموحد يَعرفُ جيدا كيف يُسقط هذه الاتفاقية المذلة، مثلما أسقطَ قبلها الاتفاقيات مع بريطانيا، ومثلما أسقط حِلفَ بغداد، ومثلما أسقطَ العربُ اللبنانيون اتفاقية السابع عشر مِن أيار مع إسرائيل، ومثلما أسقط الشعب العربي المصري اتفاقيات قناة السويس مع بريطانيا. فالمنازلة ما زالت مفتوحة، والعراقيون ومِن ورائهم جماهير الأمة العربية ما زالوا قادرين على إعادة الأمور إلى نصابها، وتحرير العراق مِن خاطفيه، فالعراق لنْ يكون إلا عربيَّ الهوية والهوى، عربيَّ البوصلة والاتجاه، عربيَّ القيادة والراية وإنْ كرهَ أعداءُ العرب.
إنّ الذين فرحوا بتوقيع الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية، وروّجوا لها، وسوّقوها عبرَ وسائل إعلامهم، واعتبروها إسدالا للستار على أدوارهم المخزية، أولئكَ لنْ يطول فرحُهم، كما أنّ كتّابَ الأعمدة في الصُحُف العربية الذين زيّنوا تلك الاتفاقية وتحدّثوا عنْ مُعجزاتها وفضائلها سيلعَنهم التاريخ، ويلعنهم اللاعنون مِن أبناء أمتهم، وعندما يجيء الحقُّ ويزهق الباطل لن يَجدَ أولئك المنافقون لأنفسهم ملاذا يدفع عنهم غائلة الخزي والعار، وإنّ غدا لناظره قريب.

الاثنين، 29 نوفمبر 2010

الموقف العربي مِن ملف إيران النووي يفضحُه ويكليكس


الموقف العربي مِن ملف إيران النووي يفضحُه (ويكليكس)

مقالة بقلم الدكتور  محمد الجاغوب



         مرة أخرى يلعبُ العربُ (الأبرار) الدورَ ذاته مع إيران، كما لعبوه مِن قبلُ مع العراق، إنه لأمر طبيعي أنْ تعارضَ الولاياتُ المتحدة الأمريكية إيران، وترفض مشروعها النووي، تمشّياً مع سياستها في ضمان أمن إسرائيل، فهي فعلتْ وتفعلُ ما يحلو لها لتحقيق ذلك، حتى لو أنها أبادت شعوباً أو أسقطت دُولاً، وهذا واضحٌ تمام الوضوح من خلال قراءة سياساتها تجاه فلسطين وشعبها.
         
         وها هُم العربُ ( الأبرار ) يلومون اليوم إيران ويُعلـّمون قادتها دروساً في الاعتدال ويطالبونها بالتخلي عن برنامجها النووي، حفاظاً على سلامة البيئة ونظافتها، ويُلوّحون بتأييد مَوقف الغرب المطالب بإحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن، وإذا ما تم ذلك سيطالبونها بالتعاون الكامل مع ذلك المجلس، ومِن ثمّ السماح لفرق التفتيش باستباحة أراضيها بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل.

          لقد فعلوا ذلك مع العراق ولاموا قيادته، وحَرّضوا عليه مجلس الأمن الدولي، إلى أنْ أصدرَ قراراتِه الظالمة بحقه، ثم طالبوه بالتعاون الكامل مع فِرق التفتيش وتسهيل مهامها، ولما حوصر العراق كانوا أوّلَ المتطوّعين لتطبيق ذلك الحصار، ثم سهّلوا للعدوان سُبُله إلى أنْ سَقط َ العراقُ في قبضة الاحتلال وسَقطتْ قيادتـُه، تلك القيادة التي أثبتتْ الأيام والأحداث بألف دليل ودليل على وفائها لوطنها وأمّتِها، وعلى صِدق انتمائها لعروبتها وثباتها على مبادئها رغم أنف القيود والأغلال، ورغم أنف المحاكم الظالمة.

         إنّ حقَ التسلح حَقٌ مشروع لكل الشعوب والأمم، من أجل الدفاع عن نفسها وعن هويتها وأوطانها ضد برابرة العصر، وليس التسلح بكل أنواع الأسلحة حِكراً على أمّة دون غيرها، فهل السلاحُ النووي في يد العرب والمسلمين يكون سلاحَ دمار شامل ٍ  يُلوّث البيئة ويقتل الحياة ويُهددُ السِلم العالمي؟! وهل هذا السلاح عندما تزخر به الترسانة الإسرائيلية لا يُهددُ السِلم العالمي ولا يُلوث البيئة؟! سؤالٌ يطرح نفسَه على فلاسفة العرب (الأبرار) الذين يُدلون بالتصريحات ويُرتلون ما يكتب لهم، ويُردّدون ما تقوله آلة الإعلام الأمريكية والإسرائيلية، بل ويُلحّون على ضرب إيران.

         ورغم أنّ السلاح النووي سواء أكان في يد العرب أم في يد العَجَم فإنه لن يُستخدم يوما ًما ضد إسرائيل، فالباكستان تعدُّ دولة إسلامية وتمتلك سلاحًا نوويًّا، إلا أنّ سلاحَها منذ سنين ظلّ سلاحاً باكستانياً، ولن يكون ذات يوم سلاحاً نووياً إسلامياً، ولن يُوظـّف للدفاع عن القضايا الإسلامية، رغم أنّ حاملي المشروع الإسلامي تباهَوا به كثيراً، وصفقوا له حينما أعلنَ عنه، وأصحاب الرايات الإسلامية الخفاقة يعلمون جيدا أن المشروع النووي الباكستاني ما كان له أن يرى النور لو لم توافق عليه الولايات المتحدة، حيث أنها أي الولايات المتحدة كانت تهدف من بين ما تهدف إليه هو نزع فتيل التوتر في شبه القارة الهندية عن طريق إحداث توازن الرعب بين الدولتين الجارتين باكستان والهند، وهما صديقتان مُهمتان في الحسابات الأمريكية.

         إنّ أحداً لا يدري إنْ كان قادة العَجَم سيرهبون التهديد أو يَفتّ في عَضُدهم لومُ ذوي القربى؛ فيذعنون لإملاءات مجلس الأمن الدولي، ويتخلون عن مشروعهم النووي، أو يُسلـّمون ما بحوزتهم طواعية كما فعل غيرهم، أم أنهم سيصمُدون على مبادئهم  ويُدافعون عن حَقهم، سؤالٌ تجيب عنه الأيام .!

         لقد أثبتتْ الأيامُ وتعاقبُ الأحداث أنّ أسلحة الدمار الشامل العراقية أكذوبة افتعلها الأمريكيون، وصَدّقها أتباعُهم وأشياعُهم في المنطقة العربية والعالـَم، وتلقفتـْها آلتـُهم الإعلامية وراحت تـُروّجُ لها، والهدف كان استباحة العراق ونهبَ ثرواته وإذلال أبنائه، ولم تفلح فِرقُ (إيكيوس ) ولا( باتلر) ولا غيرها في الكشف عن تلك الأسلحة المزعومة.

         فما بالُ أولئك العرب الأبرار يركبون المركبَ ذاتـَه ، ويلعبون اللعبة َ نفسَها مع إيران، ويُسارعون إلى ترديد ما تقوله الولايات المتحدة، وينسَون ما تمتلكه إسرائيلُ من أسلحة الدمار الشامل، ويَغضّون أبصارَهم بلْ وتعمى بصائرُهم عمّا يُشكله مُفاعل (ديمونة) الإسرائيلي مِن خطر بيئي يطالُ الأرضَ العربية القريبة والبعيدة على السواء، ويُسبّبُ الأمراضَ القاتلة  التي لا ينجو منها مَن يَعتقدون أنـّهم بعيدون عنها.

         بأي مكيال يكيلُ هؤلاء العرب، فهل نسَوا أم تناسَوا أسلحة الدمار التي استخدَمتـْها الولايات المتحدة الأمريكية في ضرب العراق! وتسَرّبتْ إشعاعاتها فأصابت جيرانَ العراق، لا شك أنهم يذكرون ذلك جيداً، ولكنهم يَجبُنون عن ذِكره والمُجاهرةِ به، ويَسعدون باعتقادِهم أنَ الجماهير العربية ما زالت لا تعرف الحقيقة، ويتجاهلون المثل القائل: إنـّكَ لا تستطيع أنْ تخدعَ كلّ الناس كلّ الوقت، وإنّ غداً لناظره قريب، فها هُو موقع (ويكليكس) بدأ بنشر سَيل من الفضائح التي تطالُ  دُولا عربية وشخصياتٍ عربية مرموقة، تلك الدول وتلك الشخصيات لم تكن تتوقع افتضاحَ أمرها في يوم من الأيام، وظنّت أنها مانعتـُها حُصونـُها، وهذه الشخصيات تتظاهر اليوم باللامبالاة حيال ما ينشر، لكنها في الواقع ذاتِه تتحرّق خوفا وحَرَجا، وراحت تعتبُ على الأصدقاء الأمريكيين الذين لا يَحفظون الودّ مثلما أنهم لايُحافظون على سِرية الوثائق.

الخميس، 25 نوفمبر 2010

قصيدة : (أحبُّـــكِ) للشاعر د. محمد الجاغوب


أحـــبّـُـكِ
I  Love You


أحبكِ  رغم الحواجزِ رغم السّدودْ

 و رغم المسافةِ رغم الحدودْ

أحبكِ رغم الموانعِ رغم الزوابعِ

رغم الرعود

أحبكِ  ... نبعَ العطاءِ

و أُكُبِرُ فيكِ الوفاءَ و حِفظَ العهودْ

و أُكبِرُ فيكِ الفداءَ

فداءَ الشبابِ لأرضِ الجدودْ

أحبكِ  حُبَّ الزهورِ لهمسِ الفـَراش ِ

بيوم جميل سعيدْ

أحبكِ  حُبَّ الحقول ِ لشدوِ الطيورِ

تـُرَدِّدُ عذبَ النشيدْ

أحبكِ  حُبَّ الحمامِ لصوتِ الهديل ِ

    يُـرَدِّدُ رَجعَ الزَّمانِ البعيدْ

أحبكِ حُبّ النباتِ لماء السماءِ ِ

 و حُبّ الطيورِ لفجر جديدْ

أحبكِ  حُبّاً تأججَ بين الضلوع ِ

لهيبا  يُـذيب الحديدْ

أحبك صوتا رقيقا

يذوبُ كلحنِ الخلود ْ

    و يسحرني منكِ طولُ الرموش ِ

    و سِحرُ العيونِ وورد الخدودْ

    تعالي نـُمنّي النفوسَ بعَــذب الأماني

    و نرقبُ يوم اللقاء العتـــيدْ

    تعالي نباهي الأنامَ

    بحُب عفيف ٍ عنيفٍ فريدْ

    تعالي لنقضيَ بعضَ الدقائقِ

    بين الحدائقِ وقتَ الغروبْ

    تعالي لنجلسَ عند الشواطئ ِ

    نرقبُ موجَ البحارِ الدؤوبْ

    تعالي نـُحلقُ مثلَ النوارس ِ

    فوق المياه و نرصدُ سِحرَ المَغيبْ

    تعالي أطيلُ التأملَ في مُقـلتيكِ

    لأقرأَ سرَّ الجمالِ العجيبْ

    و أعرفَ منها جميع الخفايا

    و أسبرَ غورَ مداها الرَّحيبْ

    لهذي العيونِ بريق أنيق

    يُـثير الشجونَ

    و يفهمهُ ذو الذكاءِ الأريبْ

    تعالي أضمّكِ ضَمَّ الحبيبِ

    لصدرِ الحبيب ....!

الأحد، 21 نوفمبر 2010

جذور الأغنية اليمنية في أعماق الخليج العربي


جذور الأغنية اليمنية في أعماق الخليج العربي [1]

بقلم د. محمد الجاغوب

             عندما أطلعني الأخ الدكتور خالد بن محمد القاسمي على دراسته المهمّة والمُعنونة: " جذور الأغنية اليمنية في أعماق الخليج " شعرتُ أنّ يدي قد وقعت على كنز ثمين، لأن عنوانها توفرت فيه عناصر جذب متعددة، فالأغنية عَمَلٌ ومَنشط إنساني يُعبّر فيه المرءُ عن مشاعره ويترجم أحاسيسَه، ويستعين به على مقاومة الضجر والهموم.  كما أنّ الجغرافية التي اختارها الأخ الباحث تمثل جزءاً عزيزاً من وطننا العربي الكبير، بينما نجِد كلمة الجذورتعطي بُعداً تاريخياً للدراسة، فالجذور ترمز إلى القِدم والأصالة والتراثية. والعَربُ حيثما وُجدوا يحتفظون بين جوانحهم بوُدٍّ وانتماء قديم يشدهم إلى شبه الجزيرة العربية موطِنهم الأول.

             لقد بدأتُ الاطلاع على هذه الدراسة قارئاً مُتأمّلاً مُتعمقاً ومُستمتعاً، فوجدتُ نفسي أمام كمٍ كبير من المعلومات حول الأغنية اليمنية ومؤلفيها، والتي ربطها الباحث بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي قيلت فيها. واستطعت بهذا الكم أنْ أثري ما أمتلكه من ثقافة سابقة حول الأغنية اليمنية كانت قد تكونتْ لديّ في الستينيات من القرن العشرين، عندما كنت أستظل بمظلة راديو (صوت العرب)  من القاهرة، الذي كان يُذيع الكثير من الأغاني اليمنية ولا سيما الوطنية منها، إضافة إلى التعبئة المعنوية التي كان يقوم بها في لفت أنظار العرب إلى الإنجاز الكبير المتمثل في ثورة سبتمبر على الظلم والطغيان والرجعية والتخلف، وثورة الجنوب اليمني على المستعمر البريطاني. تذكرتُ تلك الحقبة بأحداثها وشخوصها وأغانيها التي كانت تؤجج مشاعرنا مثل : (نحنُ فِداك يا صَنعا) و (شرارة من ردفان) و (أنا الشعب صوت انفجار الدهور) و (برّع يا استعمار).  وتذكرت كذلك أصواتاً غنائية عربية مماثلة، كانت تنطلق من القاهرة مثل  (إحنا ما بينّا وبينك ثار يا استعمار)  و (أهلاً بالمجد وبالكرم وبالفتية من خير الأمم) وأصواتاً تنطلق من الشام مثل: (لبيك يا علم العروبة كلنا نفدي الحمى)
وجاءت هذه الدراسة لتشدني بقوة إلى تلك المرحلة من حياة أمتنا، وتثري ذاكرتي بهذا الزخم من المعلومات حول الأغنية اليمنية وأثرها في غناء منطقة الخليج العربي. وتنبع أهميتها من:

-      إيرادها لحَشدٍ كبير من أئمة الفن من الشعراء وكتاب الأغنية والمُلحنين والمُطربين الذين يَصدرون في فنـّهم عن عواطفهم الإنسانية وعن نبض مجتمعهم وأمتهم وعروبتهم، أمثال: أبو بكر سالم ومحمد مرشد ناجي ومحمد محسن عطروش وعبدالله هادي سبيت ولطفي جعفر أمان وأحمد قاسم وأحمد السنيدار ومحمد الجيّار واسكندر ثابت وعبدالله نعمان وأيوب طارش ويحيى عمر وفرسان خليفة ومحمد صالح عزّاني وحسين أبو بكر المحضار وحَدّاد بن حسن.

-   تقسيم الدراسة للأغنية اليمنية من حيث موطنها إلى: أغنية صنعانية ولحجية ويافعية ودان ٍ حَضرمي، وتقسيمها من حيث المناسبات إلى أغان ٍ للطرب وأغان للسِلم والحَرب، وأغان ٍ للحياة والموت وأغانٍ للثورة، كذلك التفصيل في أنواع الرَقـَصات المصاحبة مثل: رقصة الزريادي ورقصة الكاسر ورقصة البرّع ورقصة العدة ورقصة الطاسة ورقصة الزفان وغيرها، هذه التقسيمات وهذه التفصيلات تتيح الفرصة للمقارنة بين لون وآخر.

-   تتبّعها الدقيق لتطوّر الأغنية اليمنية من أغنية شعبية بسيطة إلى أغنية وطنية وقومية وإنسانية تحملُ رسالة سامية، وتلعبُ دوراً بارزاً في حياة الأمة وتقرير مصيرها، وردّة فِعل المستعمرين عليها حيث هاجموها وحاصروها وفتـّوا في عَضُدها؛ لأنهم رأوا فيها عاملاً توعَوياً للجماهير وتحريضياً ضدّ وجودهم.

-      إيرادها لذكر عَدد من الآلات الموسيقية المُستخدمة في الغناء اليمني مثل: المدروف والهاجر والطاسات النحاسية والمراويس والقنبوس وغيرها.

-   تطرّق الدراسة إلى الروافد الثقافية التي أسهمت في نشأة الألحان والموسيقا الشعبية في اليمن، وتأثرها بالألحان العربية الموروثة وبالإيقاعات الإفريقية والهندية.

-   ربْط الباحث الأغنية اليمنية بالأغنية العربية عموماً جَعلَ لها امتداداً طبيعياً في الخليج العربي والعراق والشام ومصر.

-   تعزيز الدراسة بالجداول التي توضح كيفية أداء الأغنية، وجداول النوتات الموسيقية، والجداول التي تبين أسماء عدد من الأغاني وأسماء مؤلفيها والمُغنين الذين أدّوها في اليمن، وأمثالهم الذين أدّوها في منطقة الخليج العربي

-   إشارةُ الدراسةِ بإصبع الاتهام لعَددٍ من المُغنين في منطقة الخليج العربي لانتحالهم بعضَ الأغاني اليمنية وتحريف كلماتها ونِسبتها لأنفسهم، ومُطالبة الباحث بمعاقبتهم.

-   تسليطها الضوء على أنواع مُعَيّنة من الغناء كأغاني البحر، ومواسم الغوص ومواقيتها مثل: أغاني (البسّة) التي يؤديها النّهام عند رفع الشراع، وأغاني (فن الجيب عند جَرّ المجداف) وأغاني (الهولو) التي تؤدَى عند مواسم العَودة.

-   تسليطها الضوء على العلاقة الوثيقة بين عَرب سواحل الخليج وعَرب السواحل اليمنية التي تمثلتْ في تجارة بحرية نشطة كانت ترافقها علاقات اجتماعية وثقافية بين الجانبين، أدّت إلى التأثر والتأثير، واعتبار اليمن عُمقاً تاريخياً وجغرافياً واستراتيجياً لسواحل المجد في الخليج العربي. 

-   تصويرها لرهافة الحِسّ القومي لدى عَرب اليمن والخليج وتفاعلهم مع القضايا العربية كما ظهر في أغانيهم لفلسطين ولبنان وأوراس والنيل والسودان وليبيا والعراق والحجاز، وتصويرها لعدائهم الشرس للاستعمار والرجعية.

-      اختيار الدراسة لواحد من أعلام الفن الغنائي اليمني وهو الفنان الكبير أبو بكر سالم بلفقيه، والتفصيل في سيرته ومساهماته في نشر الأغنية اليمنية، والتفاعل مع المناسبات الوطنية والقومية للعرب كافة.

-      لم تـُغفل الدراسة الحديثَ عن دور المرأة في الغناء اليمني ولا سيما في حضرموت.
      
             إنّ هذه الدراسة الفلكلورية للأغنية اليمنية تعكس جهوداً كبيرة بذلـَها الباحث خالد بن محمد القاسمي في الاطلاع والتمحيص والجمع والتصنيف والتعليق والتوثيق، وتدلّ بوضوح على ثقافته الثرّة والمُنوّعة، وروحه العربية الأصيلة. كما أنها تشير إلى الموضوعية والأمانة العلمية التي يتحلى بها كباحث ومؤرخ. وإنني أقدّرُ للباحث جهودَه، وأشاطره مشاعرَه الصادقة تجاه وطننا وأمتنا. فاليَمنُ السعيد يَمنـُنا، وجزيرة العرب مَهدُنا ومهوى أفئدتنا، على ثراها تغنى شعراؤنا، وصالَ فرسانـُنا وسُجلتْ ملاحِمُنا ووقائعُنا وأيامنا، قبل أن تكون الحدود المصطنعة بين أقطارنا.




[1] دراسة أعدها الدكتور خالد بن محمد القاسمي

السبت، 13 نوفمبر 2010

النيل والأردن


النيل والأردن

إنّ سفائنَ حُبي تـُبْحِرُ دَوماً

مِن ميناء الحُبِّ الدافق في النهرَين العَرَبيين

وتـَحومُ نوارسُ قلبي في شُرفات العَـينين الآسرتين

فتجعلني أقرأ كلَّ الأشياء

وأفهم كل الأشياء

وأرسُمها الصورة َ تِلو الأخرى

وأعلـِّقها في حَدْقة عَـيني

ما بينَ لذيذ النوم وبَيني

سَجِّلْ يا حافظ في سِفر الشِّعر

بأنّ الماءَ وأنّ العُشبَ

بضفـّة نهر النيل ونهر الأردن

قد التقيا في النظرة  ِ الحالمة !

قد امتـَزجا في اللحظةِ العارمة !

وبوصلة الحُبّ بينهما باتتْ

تنبئُ بالوحدة القادمة.

زيتونة قلبي الخضراء الضاربة الجذر

 بأعماق فلسطين

باتتْ تشتاقُ لماء النيل ليَسقيها

كي تـُنتجَ زيتاً

يوقدُ قنديلَ الحُبِّ الساطع

فيضيء دروبَ قوافل ِ أهل ِ الشام

إلى طيبة.