الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية
مقالة بقلم د. محمد الجاغوب
" فأمّا الزبَدُ فيذهبُ جفاءً "، هذا هو شأن الاتفاقية الأمنيّة العراقية الأمريكية التي لا تنْفعُ الناسَ، ووُقعتْ بين طرفين غير متكافئين، أحدهما يحتلّ وطنَ الآخر، والتي تسمى اتفاقا مِن باب تجاوز الأسماء لمُسمّياتها، ولكنها في الحقيقة عبارة عن شرْعنة لبقاء قوّات الاحتلال الأمريكي للعراق العربي لأطول فترة ممكنة، بعيدا عن الإشارة بإصبع الاتهام لتلك القوات على أنها قوات غازية أومعتدية تسببت في خراب وطن بأكمله، ونهب ثرواته، وترهيب شعبه، وزرع بذور الفتنة والشقاق بين شرائحه.
وقد ظنّ مهندسو تلك الاتفاقية وعرّابوها أنّ السبيل إلى تحقيق تلك الشرْعنة هو إقرارها مِن قبل البرلمان والحكومة العراقيّين، وإخراجها إلى الأمة العربية والعالم على أنها اتفاق أمني يحفظ مصالح الفريقين، ولذلك عُرضت عليهما لمناقشتها مناقشة صورية لا تقدم ولا تؤخر في جوهرها، مُتَناسينَ أنّ هاتين المؤسستين لا تتمتعان بشرعية دستورية ولا قانونية؛ فالحكومة العراقية وأقطابُها جاء بهم المحتلُ الأمريكي محمولين على دباباته مِن خارج الوطن، والبرلمان العراقي أفرزه قانون انتخاب وضعه برايمر وسلطات الاحتلال، وبالتالي فإنّ إقرار الاتفاقية مِن قبلهما أمرٌ لا يُلزم العراق ولا الشعب العراقي؛ لأنّ ما بُنيَ على باطل فهو باطل، والغزو الأمريكيُّ للعراق باطل، وقد اعترفَ بذلك الرئيس بوش ذاته في أواخر أيّام عَهده، وما ترتّبَ على ذلك الغزوِ باطل أيضا، وجميع الإجراءات التي قامت بها سلطات الاحتلال مِن تخريب البلد، ونهب ثرواته، وهدم مؤسساته، وتغيير دستوره، وملاحقة قادته السابقين، وحلِّ جيشه الوطني، وتلاعُبٍ بعَلمه، وتزوير هويته العربية كلّ ذلك باطل ، والباطل لا بدَّ له أنْ يزهق وإنْ طالَ المدى.
إنّ الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية لا تعني إلاّ الاحتلال الأمريكي الجاثم فوق تراب العراق؛ لإطالة أمد بقائه فيه، أو لتمكين المحتلّين مِن سَحْبِ قوّاتِهم بشكلٍ مُنظّم مع حِفظ ماء الوجه لهم، كما أنّها تعني أعوانَ ذلك الاحتلال مِن العراقيين؛ لإطالة أمد بقائهم في سدّة الحُكم، وقد يتأثّر بها جيران العراق، ويتفاوتُ تأثرُ أولئك الجيران تبعا لقوّة تأثيرهم في الأحداث، وتبعا لحجم مصالحهم في المنطقة، فالإيرانيون طرف قويّ، ويملكُ بيده أوراقا كثيرة، يمكنه توظيفها ضد الأمريكيين داخل العراق إذا لمْ تلوِّحْ لهم أمريكا بثمنٍ ما، ولرُبّما يكون ذلك الثمن غضّ النظرعن الملف النووي الإيراني مقابل تفاهمات ضمنية.
والأكراد طرفٌ يستقوي بالقوات الأمريكية، ويقبض ثمن تعاونه معها بالانفراد في حُكم شمال العراق، وتولّي بعضَ المناصب الحساسة، كرئاسة الجمهورية، ووزارة الخارجية. والأتراك طرف قويّ أيضا، ويملك نفوذا في العراق، ولكنه لا يوظفه ضد الأمريكيين لاعتبارات تتعلق بعضويّة تركيّة في منظمة حِلف شمال الأطلسي، وأحلامها بالانضمام للمجموعة الأوروبية، مقابل تفاهمات ضمنية أيضا، ثمنها أنْ تغضّ أمريكا نظرَها عن ملاحقة الجيش التركي للمتمردين الأكراد الذين يُهدّدون شرق الأناضول.
أمّا الطرفُ العربيُّ فهو طرَفٌ ضعيف للأسف الشديد، ومُمالئٌ للسياسة الأمريكية منذ اليوم الأول للغزو؛ حيثُ هيّأتْ دولٌ عربية خزائنها لتمويل العدوان، وهيّأت أراضيها لتمريره برا وبحرا وجوا، وسخّرتْ أبواقها الإعلامية للفتّ في عّضُد العراقيين والمزاودة على قيادتهم السابقة، وإسداء النصائح لها بمغادرة العراق حقنا لدماء العراقيين، وهي كلمة حَقٍّ أريدَ بها باطلٌ، بلْ إنّ بعض هذه الدول قطعَتْ شأوا بعيدا في الأريحية والكرم بعرضها استضافة الرئيس صدام حسين على أراضيها، وحتى هذه الاستضافة لا تخفى على أحد بأنها ما كانت لتتمّ إلا بالتنسيق مع الطرف الأمريكي.
إنّ مَن يقرأ التاريخ والجغرافيا جيدا لا يُعجزه أنْ يعرفَ بأنّ العراق يمثلُ البوابة الشرقية للوطن العربي منذ فجر التاريخ، وهو يتمتعُ بارتباط جغرافي عريض مع عمقه العربي، وأنّ راياتِه العربية خفاقة في ذي قار، وخفاقة في قادسية سعد وفي قادسية صدام، وأنّ ساسة العراق منذ أبي جعفر المنصور وهارون الرشيد قد حافظوا على عروبة العراق وإسلامه، فكان أنْ تصدّوا للخائنين والشعوبيين مِن أمثال أبي مسلم الخراساني، وأبي سلمة الخلال، والبرامكة وغيرهم، وواصَلوا حَمْلَ الأمانة في العصر الحديث؛ فتصدوا لقوات الانتداب البريطاني بُعيدَ الحرب العالمية الأولى؛ فكانت ثورة 1920 ، وأسقطوا جميع اتفاقيات الإذلال المبرمة مع بريطانيا، ووضعوا العراق العربي في موضع الصدارة مِن الأحداث، حيث أدّى العراق وجيشه البطلُ دورا مشرِّفا في معارك فلسطين والجولان وقادسية صدام وأم المعارك والحواسم وغيرها، وجعلوا مِن العراق قلعة صناعية واقتصادية وعلمية كبرى.
إنّ هذا العراق العظيم لا يثنيه عن أداء أدواره المشرِّفة سحابة احتلال عابرة، ولا شرذمة مِن الصِّغار الذين اختطفوه وحوّلوا مسارَه إلى حين، فالشعب العراقي الواحد الموحد يَعرفُ جيدا كيف يُسقط هذه الاتفاقية المذلة، مثلما أسقطَ قبلها الاتفاقيات مع بريطانيا، ومثلما أسقط حِلفَ بغداد، ومثلما أسقطَ العربُ اللبنانيون اتفاقية السابع عشر مِن أيار مع إسرائيل، ومثلما أسقط الشعب العربي المصري اتفاقيات قناة السويس مع بريطانيا. فالمنازلة ما زالت مفتوحة، والعراقيون ومِن ورائهم جماهير الأمة العربية ما زالوا قادرين على إعادة الأمور إلى نصابها، وتحرير العراق مِن خاطفيه، فالعراق لنْ يكون إلا عربيَّ الهوية والهوى، عربيَّ البوصلة والاتجاه، عربيَّ القيادة والراية وإنْ كرهَ أعداءُ العرب.
إنّ الذين فرحوا بتوقيع الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية، وروّجوا لها، وسوّقوها عبرَ وسائل إعلامهم، واعتبروها إسدالا للستار على أدوارهم المخزية، أولئكَ لنْ يطول فرحُهم، كما أنّ كتّابَ الأعمدة في الصُحُف العربية الذين زيّنوا تلك الاتفاقية وتحدّثوا عنْ مُعجزاتها وفضائلها سيلعَنهم التاريخ، ويلعنهم اللاعنون مِن أبناء أمتهم، وعندما يجيء الحقُّ ويزهق الباطل لن يَجدَ أولئك المنافقون لأنفسهم ملاذا يدفع عنهم غائلة الخزي والعار، وإنّ غدا لناظره قريب.
وقد ظنّ مهندسو تلك الاتفاقية وعرّابوها أنّ السبيل إلى تحقيق تلك الشرْعنة هو إقرارها مِن قبل البرلمان والحكومة العراقيّين، وإخراجها إلى الأمة العربية والعالم على أنها اتفاق أمني يحفظ مصالح الفريقين، ولذلك عُرضت عليهما لمناقشتها مناقشة صورية لا تقدم ولا تؤخر في جوهرها، مُتَناسينَ أنّ هاتين المؤسستين لا تتمتعان بشرعية دستورية ولا قانونية؛ فالحكومة العراقية وأقطابُها جاء بهم المحتلُ الأمريكي محمولين على دباباته مِن خارج الوطن، والبرلمان العراقي أفرزه قانون انتخاب وضعه برايمر وسلطات الاحتلال، وبالتالي فإنّ إقرار الاتفاقية مِن قبلهما أمرٌ لا يُلزم العراق ولا الشعب العراقي؛ لأنّ ما بُنيَ على باطل فهو باطل، والغزو الأمريكيُّ للعراق باطل، وقد اعترفَ بذلك الرئيس بوش ذاته في أواخر أيّام عَهده، وما ترتّبَ على ذلك الغزوِ باطل أيضا، وجميع الإجراءات التي قامت بها سلطات الاحتلال مِن تخريب البلد، ونهب ثرواته، وهدم مؤسساته، وتغيير دستوره، وملاحقة قادته السابقين، وحلِّ جيشه الوطني، وتلاعُبٍ بعَلمه، وتزوير هويته العربية كلّ ذلك باطل ، والباطل لا بدَّ له أنْ يزهق وإنْ طالَ المدى.
إنّ الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية لا تعني إلاّ الاحتلال الأمريكي الجاثم فوق تراب العراق؛ لإطالة أمد بقائه فيه، أو لتمكين المحتلّين مِن سَحْبِ قوّاتِهم بشكلٍ مُنظّم مع حِفظ ماء الوجه لهم، كما أنّها تعني أعوانَ ذلك الاحتلال مِن العراقيين؛ لإطالة أمد بقائهم في سدّة الحُكم، وقد يتأثّر بها جيران العراق، ويتفاوتُ تأثرُ أولئك الجيران تبعا لقوّة تأثيرهم في الأحداث، وتبعا لحجم مصالحهم في المنطقة، فالإيرانيون طرف قويّ، ويملكُ بيده أوراقا كثيرة، يمكنه توظيفها ضد الأمريكيين داخل العراق إذا لمْ تلوِّحْ لهم أمريكا بثمنٍ ما، ولرُبّما يكون ذلك الثمن غضّ النظرعن الملف النووي الإيراني مقابل تفاهمات ضمنية.
والأكراد طرفٌ يستقوي بالقوات الأمريكية، ويقبض ثمن تعاونه معها بالانفراد في حُكم شمال العراق، وتولّي بعضَ المناصب الحساسة، كرئاسة الجمهورية، ووزارة الخارجية. والأتراك طرف قويّ أيضا، ويملك نفوذا في العراق، ولكنه لا يوظفه ضد الأمريكيين لاعتبارات تتعلق بعضويّة تركيّة في منظمة حِلف شمال الأطلسي، وأحلامها بالانضمام للمجموعة الأوروبية، مقابل تفاهمات ضمنية أيضا، ثمنها أنْ تغضّ أمريكا نظرَها عن ملاحقة الجيش التركي للمتمردين الأكراد الذين يُهدّدون شرق الأناضول.
أمّا الطرفُ العربيُّ فهو طرَفٌ ضعيف للأسف الشديد، ومُمالئٌ للسياسة الأمريكية منذ اليوم الأول للغزو؛ حيثُ هيّأتْ دولٌ عربية خزائنها لتمويل العدوان، وهيّأت أراضيها لتمريره برا وبحرا وجوا، وسخّرتْ أبواقها الإعلامية للفتّ في عّضُد العراقيين والمزاودة على قيادتهم السابقة، وإسداء النصائح لها بمغادرة العراق حقنا لدماء العراقيين، وهي كلمة حَقٍّ أريدَ بها باطلٌ، بلْ إنّ بعض هذه الدول قطعَتْ شأوا بعيدا في الأريحية والكرم بعرضها استضافة الرئيس صدام حسين على أراضيها، وحتى هذه الاستضافة لا تخفى على أحد بأنها ما كانت لتتمّ إلا بالتنسيق مع الطرف الأمريكي.
إنّ مَن يقرأ التاريخ والجغرافيا جيدا لا يُعجزه أنْ يعرفَ بأنّ العراق يمثلُ البوابة الشرقية للوطن العربي منذ فجر التاريخ، وهو يتمتعُ بارتباط جغرافي عريض مع عمقه العربي، وأنّ راياتِه العربية خفاقة في ذي قار، وخفاقة في قادسية سعد وفي قادسية صدام، وأنّ ساسة العراق منذ أبي جعفر المنصور وهارون الرشيد قد حافظوا على عروبة العراق وإسلامه، فكان أنْ تصدّوا للخائنين والشعوبيين مِن أمثال أبي مسلم الخراساني، وأبي سلمة الخلال، والبرامكة وغيرهم، وواصَلوا حَمْلَ الأمانة في العصر الحديث؛ فتصدوا لقوات الانتداب البريطاني بُعيدَ الحرب العالمية الأولى؛ فكانت ثورة 1920 ، وأسقطوا جميع اتفاقيات الإذلال المبرمة مع بريطانيا، ووضعوا العراق العربي في موضع الصدارة مِن الأحداث، حيث أدّى العراق وجيشه البطلُ دورا مشرِّفا في معارك فلسطين والجولان وقادسية صدام وأم المعارك والحواسم وغيرها، وجعلوا مِن العراق قلعة صناعية واقتصادية وعلمية كبرى.
إنّ هذا العراق العظيم لا يثنيه عن أداء أدواره المشرِّفة سحابة احتلال عابرة، ولا شرذمة مِن الصِّغار الذين اختطفوه وحوّلوا مسارَه إلى حين، فالشعب العراقي الواحد الموحد يَعرفُ جيدا كيف يُسقط هذه الاتفاقية المذلة، مثلما أسقطَ قبلها الاتفاقيات مع بريطانيا، ومثلما أسقط حِلفَ بغداد، ومثلما أسقطَ العربُ اللبنانيون اتفاقية السابع عشر مِن أيار مع إسرائيل، ومثلما أسقط الشعب العربي المصري اتفاقيات قناة السويس مع بريطانيا. فالمنازلة ما زالت مفتوحة، والعراقيون ومِن ورائهم جماهير الأمة العربية ما زالوا قادرين على إعادة الأمور إلى نصابها، وتحرير العراق مِن خاطفيه، فالعراق لنْ يكون إلا عربيَّ الهوية والهوى، عربيَّ البوصلة والاتجاه، عربيَّ القيادة والراية وإنْ كرهَ أعداءُ العرب.
إنّ الذين فرحوا بتوقيع الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية، وروّجوا لها، وسوّقوها عبرَ وسائل إعلامهم، واعتبروها إسدالا للستار على أدوارهم المخزية، أولئكَ لنْ يطول فرحُهم، كما أنّ كتّابَ الأعمدة في الصُحُف العربية الذين زيّنوا تلك الاتفاقية وتحدّثوا عنْ مُعجزاتها وفضائلها سيلعَنهم التاريخ، ويلعنهم اللاعنون مِن أبناء أمتهم، وعندما يجيء الحقُّ ويزهق الباطل لن يَجدَ أولئك المنافقون لأنفسهم ملاذا يدفع عنهم غائلة الخزي والعار، وإنّ غدا لناظره قريب.