السبت، 23 يوليو 2011


الإصلاح السياسي في الوطن العربي

             بعد أحداث الحادي عشر مِن سبتمبر 2001 م بدأت تشيع في أرجاء الوطن العربي ثقافة الإصلاح السياسي، تلك الثقافة التي لم تألفها الجماهير العربية ولم يألفها حتى الداعون إليها والمنادون بها، وراحت تتناقلها وسائل الإعلام وتروج لها. والحقيقة أنّ مصطلح الإصلاح السياسي في وطننا كلمة حقٍ يراد بها باطل، لأنها لم تولد في وطننا ولادة طبيعية ولا شرعية، بل أُنزلت علينا من الجو نزول الجنود الغزاة بالمظلات أو نزول القنابل الانشطارية على رؤوس الأبرياء، وليس عصيّاً على ذي بصيرة أن يدرك الهدف من ورائها ومن وراء توقيتاتها.

             لقد أحس الأمريكان بمدى الكراهية والحقد اللذين تختزنهما الذاكرة العربية تجاههم، لكنهم لم يدركوا الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تلك التراكمات أو أنهم يُدركونها ولكنهم لا يريدون الاعتراف بها، ومن أبرز تلك الأسباب دعمهم لإسرائيل التي تحتل الأرض العربية، وحمايتهم للطغاة الذين يُمعنون في قهر الناس وكبت أنفاسهم ويحتكرون لأنفسهم حق سياستهم، علاوة على نهبهم لثروات الوطن وتبديدها في وجوه غير مشروعة.

             لذلك اختار الأمريكيون العزف على وتر الإصلاح السياسي، وتظاهروا بالرغبة في محاسبة أصدقائهم من الحكام، فراحوا يدعونهم إلى الإصلاح ونبذ الاستبداد وتحسين ظروف شعوبهم، بل وربما أصدروا أوامرهم لدعم هذا التوجه. وعلى أثر ذلك قام بعض هؤلاء الحكام وأعوانهم بتسريب تصريحات حول نيتهم في الإصلاح، لا بهدف الإصلاح الحقيقي بل بهدف إطالة أمد حكمهم المستبد وإضفاء شيءٍ من الشرعية عليه، فراحوا يتحدثون عن حقوق المرأة التي امتهنوها سنين طويلة واعدين المرأة بالمشاركة في بعض أنواع الانتخابات الهامشية، وإعطائها بعض الحقائب الوزارية ومنحها حق العضوية في مجالس لا يقدم رأيها ولا يؤخر. كما قرروا التساهل في شكليات أخرى لا تسمن ولا تغني من جوع مثل: ارتداء البنطال ووضع الباروكة.

             كيف يكون إصلاح حقيقي حمأحوهؤلاء الناس في مواقعهم؟!  إنّ الإصلاح الحقيقي لا يتم مع الشمولية والتفرد وتوريث الحكم، إنّ من أول متطلبات الإصلاح السياسي إلغاء التوريث وتنحّي الهياكل العظمية التي تحجرت عشرات السنين في مناصبها، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية حقيقية، ورفع اليد عن وسائل الإعلام الحكومية التي تجلب الهم لكل من يشاهدها، وتحرير المنابر من الخطباء المأجورين الذين يُضللون الناس، والتوزيع العادل للثروة ومحاسبة الفاسدين والرقابة الصارمة على أموال الأمة.

             إنّ إصلاحاً مِن هذا القبيل فقط يكون له معنى، وإذا ما أراد الأمريكيون فعلاً تشجيع إصلاحٍ حقيقي وخلق ديمقراطية حقيقية في وطننا فما عليهم إلا أن يقولوا لأصدقائهم من الحكام العرب القول المأثور: إمّا اعتدلتم وإما اعتزلتم!! ومعلوم أنّ الاعتدال والاعتزال بالنسبة لهؤلاء يساوي الموت. أمّا إذا كان الإصلاح شكلياً فهذا يعني إضفاء الشرعية على النظم الحالية وتحسين صورتها في أعين الناس.

             إن الأمريكيين يعلمون علم اليقين أنه بمجرد حدوث إصلاح حقيقي وظهور ديمقراطية حقيقية في الوطن العربي سيختفي هؤلاء الأنصاب والطـُّغام وتظهر قيادات شرعية شابة ووطنية تمثل الشعوب، والشعوب كما هو معروف لا تقبل بمهادنة مَن يحتلّ أرضَها، وهذا في حد ذاته يشكل خطراً حقيقياً على إسرائيل، وهذا ما لا ترضاه أمريكا، وهو بالنسبة لها خط أحمر لا يمكنها تجاوزه، لذلك فإنها ستظل تتحدث مع أصدقائها العرب عن إصلاحات شكلية تذرُّ الرمادَ في عيون الجماهير لتخدرَها، وتحفظ ماء الوجه للأنظمة وتطيل أمدَ بقائها ما أمكن.!

السبت، 2 يوليو 2011

الدكتور محمد الجاغوب: زوروا بُثيــنةَ فالحبــيبُ مَــزورُ

الدكتور محمد الجاغوب: زوروا بُثيــنةَ فالحبــيبُ مَــزورُ: "وهـل بثينةُ يا لـَلناس قاضيـتي دَيــْني وفاعلة خيـرًا فأجزيها ترنو بعيَـنَي مهاةٍ أقصَدَتْ بهما قلبي عشية ترميني وأرميها هيــفاءُ مُـقبلة ..."

زوروا بُثيــنةَ فالحبــيبُ مَــزورُ

وهـل بثينةُ يا لـَلناس قاضيـتي دَيــْني وفاعلة خيـرًا فأجزيها
ترنو بعيَـنَي مهاةٍ أقصَدَتْ بهما قلبي عشية ترميني وأرميها
هيــفاءُ مُـقبلة عَجــزاء مُـدبرة ريّـا العظام بلا عيب يُـرى فيها
من الأوانسِ مِكسالٌ مُبتّلةٌ خَـودٌ غذاها بلين العيش غاذيها

الأبيات السابقة للشاعر العربي جميل بن عبد الله بن معمر بن الحارث المتوفـّى سنة 82هـ، وهو من قبيلة بني عُذرة ويُعرَف بجميل بثينة، وبثينة محبوبته، وهي بنت حبأ بن ثعلبة. قال فيها الشِعر َ مُتغزّلا فكانت النتيجة أن حُرمَ من الزواج منها، وزوّجَها أهلـُها لرجل غيره، لكنّ جميلاً ظلّ على حبه ووفائه لها، ويرتّلُ الأشعار فيها قائلاً

زوروا بُثـــينة فالحبـــيبُ مَــــزورُ إنّ الــزيارة للمـُـحبّ يَســيرُ
إنــي عشــية رُحــتُ وهي حزينةٌ تشكو إليّ صبَابة ًلصَبورُ
وتقــولُ بــِــتْ عندي فديتُكَ ليلةً أشكو إليكَ فإنّ ذاكَ يسيرُ
غــــرّاءُ مِبــسامٌ كــأنَ حديثــها دُرٌّ تحــدّرَ نظــــمُه المــنــثورُ
مَحطوطة المَتنين مُضمرة الحشا ريّا الروادف خَلقها مَمكورُ

وظلَ جميل يُلمّ ببُثينة حتى شكاه زوجُها إلى أبيها وأخيها فهدّداهُ وتوعّداه، ولامَهُ أهلُه وعنّفوه وتبرّؤوا من جريرته، ثم ارتحلوا بأنفسهم نحو أطراف الشام لكن جميلاٌ لم يرافقهم وتوجه إلى مصر مُردّدا قوله

ألا لــيتَ أيـــام الصــفاء جــديدُ ودهـــرًا تولـّــى يا بثــينَ يعــــودُ
وما أنسَ مِالأشياءِ لا أنسَ قولـها وقد قرّبتْ نضوي أمصرَ تريدُ؟
ولا قــولـَها لــولا العيــون التي ترى أتيتُكَ فاعذرني فدتكَ جُدود
يمــوتُ الهــوى منـي إذا ما لقيتُــها ويحــيا إذا فارقتــها فيعـــودُ


أقام جميلُ بن معمّر في مصر  حتى حانت وفاته، فلما بلغ َ نعيُه ُبثينةَ أنشدَتْ  شِعرًا  تعاهد نفسَها على الوفاء له وتعتبر أن نسيانـَه ولو لساعة من الزمن يكون أمرًا مستحيلاً وأنّ الحياة من بَعده لا قيمة لها ولا مذاق  

وإنّ سَلوى عن جميل ٍ لِساعةٍ من الدهر ما حانت ولا حان َحينُها
ســواءٌ عليــنا يا جمــيلُ بن معمر ٍإذا مِــتَ بأساء ُالحيـاة ولينـُــها
د. محمد الجاغوب