الإصلاح السياسي في الوطن العربي
بعد أحداث الحادي عشر مِن سبتمبر 2001 م بدأت تشيع في أرجاء الوطن العربي ثقافة الإصلاح السياسي، تلك الثقافة التي لم تألفها الجماهير العربية ولم يألفها حتى الداعون إليها والمنادون بها، وراحت تتناقلها وسائل الإعلام وتروج لها. والحقيقة أنّ مصطلح الإصلاح السياسي في وطننا كلمة حقٍ يراد بها باطل، لأنها لم تولد في وطننا ولادة طبيعية ولا شرعية، بل أُنزلت علينا من الجو نزول الجنود الغزاة بالمظلات أو نزول القنابل الانشطارية على رؤوس الأبرياء، وليس عصيّاً على ذي بصيرة أن يدرك الهدف من ورائها ومن وراء توقيتاتها.
لقد أحس الأمريكان بمدى الكراهية والحقد اللذين تختزنهما الذاكرة العربية تجاههم، لكنهم لم يدركوا الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تلك التراكمات أو أنهم يُدركونها ولكنهم لا يريدون الاعتراف بها، ومن أبرز تلك الأسباب دعمهم لإسرائيل التي تحتل الأرض العربية، وحمايتهم للطغاة الذين يُمعنون في قهر الناس وكبت أنفاسهم ويحتكرون لأنفسهم حق سياستهم، علاوة على نهبهم لثروات الوطن وتبديدها في وجوه غير مشروعة.
لذلك اختار الأمريكيون العزف على وتر الإصلاح السياسي، وتظاهروا بالرغبة في محاسبة أصدقائهم من الحكام، فراحوا يدعونهم إلى الإصلاح ونبذ الاستبداد وتحسين ظروف شعوبهم، بل وربما أصدروا أوامرهم لدعم هذا التوجه. وعلى أثر ذلك قام بعض هؤلاء الحكام وأعوانهم بتسريب تصريحات حول نيتهم في الإصلاح، لا بهدف الإصلاح الحقيقي بل بهدف إطالة أمد حكمهم المستبد وإضفاء شيءٍ من الشرعية عليه، فراحوا يتحدثون عن حقوق المرأة التي امتهنوها سنين طويلة واعدين المرأة بالمشاركة في بعض أنواع الانتخابات الهامشية، وإعطائها بعض الحقائب الوزارية ومنحها حق العضوية في مجالس لا يقدم رأيها ولا يؤخر. كما قرروا التساهل في شكليات أخرى لا تسمن ولا تغني من جوع مثل: ارتداء البنطال ووضع الباروكة.
كيف يكون إصلاح حقيقي وهؤلاء الناس في مواقعهم؟! إنّ الإصلاح الحقيقي لا يتم مع الشمولية والتفرد وتوريث الحكم، إنّ من أول متطلبات الإصلاح السياسي إلغاء التوريث وتنحّي الهياكل العظمية التي تحجرت عشرات السنين في مناصبها، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية حقيقية، ورفع اليد عن وسائل الإعلام الحكومية التي تجلب الهم لكل من يشاهدها، وتحرير المنابر من الخطباء المأجورين الذين يُضللون الناس، والتوزيع العادل للثروة ومحاسبة الفاسدين والرقابة الصارمة على أموال الأمة.
إنّ إصلاحاً مِن هذا القبيل فقط يكون له معنى، وإذا ما أراد الأمريكيون فعلاً تشجيع إصلاحٍ حقيقي وخلق ديمقراطية حقيقية في وطننا فما عليهم إلا أن يقولوا لأصدقائهم من الحكام العرب القول المأثور: إمّا اعتدلتم وإما اعتزلتم!! ومعلوم أنّ الاعتدال والاعتزال بالنسبة لهؤلاء يساوي الموت. أمّا إذا كان الإصلاح شكلياً فهذا يعني إضفاء الشرعية على النظم الحالية وتحسين صورتها في أعين الناس.
إن الأمريكيين يعلمون علم اليقين أنه بمجرد حدوث إصلاح حقيقي وظهور ديمقراطية حقيقية في الوطن العربي سيختفي هؤلاء الأنصاب والطـُّغام وتظهر قيادات شرعية شابة ووطنية تمثل الشعوب، والشعوب كما هو معروف لا تقبل بمهادنة مَن يحتلّ أرضَها، وهذا في حد ذاته يشكل خطراً حقيقياً على إسرائيل، وهذا ما لا ترضاه أمريكا، وهو بالنسبة لها خط أحمر لا يمكنها تجاوزه، لذلك فإنها ستظل تتحدث مع أصدقائها العرب عن إصلاحات شكلية تذرُّ الرمادَ في عيون الجماهير لتخدرَها، وتحفظ ماء الوجه للأنظمة وتطيل أمدَ بقائها ما أمكن.!